للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "القُدُّوْسُ" (١) فسراه بما تراه وقال غيرهما: هو المنزه عن كل وصف يدركه حس أو لقصوره خيال أو سبق إليهم وهم، أو يختلج به ضميراً أو يقضي به تقدير. ولست أقول: منزه عن العيوب والنقائص، فإن ذكر ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب فليس من الأدب أن يقول القائل: ملك البلد ليس بحائك ولا حجام؛ فإن نفي الوجود يكاد يوهم إمكان الوجود، وفي ذلك الإيهام نقص بل أقول القدوس، ثم قال: هو مضموم الأول، وقد روي بفتحه وليس بالكثير، ولم يجئ مضموماً من هذا الباب إلا: قدوس وسبوح وذروح.

وقال سيبويه (٢): ليس في هذا الكلام فعول بالضم. انتهى.

هو المنزه (٣) عن كل وصف من أوصاف الكمال الذي يظنه أكثر الخلق؛ لأن الخلق أولاً نظروا إلى أنفسهم وعرفوا صفاتهم وأدركوا انقسامها إلى ما هو كمال، ولكن وصفهم مثل علمهم وقدرتهم وسمعهم وبصرهم وكلامهم واختيارهم، ووضعوا هذه الألفاظ بإزاء هذه المعاني وقالوا: إن هذه هي أسماء الكمال.


(١) يوصف الله - عز وجل - بأنه سبحانه القدوس، وهي صفة ذاتية، والقدوس اسم له ثابت بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب: قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: ٢٣].
الدليل من السنة: حديث عائشة - رضي الله عنها -: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح". مسلم رقم (٤٨٧). وقال ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" (ص ٨)، ومن صفاته: "قدوس" وهو حرف مبني على فُعُّول، من "القدس" وهو الطهارة.
وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص ٤٠): القدوس الطاهر من العيوب، المنزه عن الأنداد، والأولاد، والقدس: الطهارة.
انظر: "زاد المسير" (٨/ ٢٢٥)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص ١٩٤ - ١٩٦).
(٢) انظر الكتاب (٤/ ٨٤، ١١١ - ١١٣)، و (٣/ ٤٧٨).
(٣) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>