للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت مغرية إليه صادرة منه، وقد فهمت أن أفعاله (١) سالمة عن الشر أعني الشر المطلق المراد لذاته لا لخير حاصل في ضمنه أعظم منه، وليس في الوجود شر بهذه الصفة كما سبقت إليه الإشارة.


(١) قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (٢/ ١٣٥): " ... وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم، وفعل واقع عن غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه ونزهه به رسوله. فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النظير والكفء، والسمي والمماثل والسلام من الشريك، ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة.
وكلماته سلام من الكذب والظلم، بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه، وهو غني عن كل ما سواه، وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه. وإلهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته، وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه، أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلماً أو تشفياً أو غلظة أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله، ووضعه الأشياء مواضعها، وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه وثوابه ونعمه ...

<<  <  ج: ص:  >  >>