للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال غيرهما: هو الذي يعزى إليه الأمن والإيمان بإفادة أسبابه، وسده طرق المخاوف، ولا يتصور أمن إلا في محل الخوف، ولا خوف إلا عند إمكان العدم والنقص والهلاك، والمؤمن المطلق هو الذي لا يتصور أمن وأمان إلا ويكون مستفاداً من جهته وهو الله تعالى، والعبد ضعيف في أصل [٤٢٨ ب] فطرته، وهو عرضة الأمراض والجوع والعطش من باطنه،


= وقال ابن منظور في "اللسان": "المؤمن من أسماء الله تعالى الذي وحد نفسه؛ بقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: ١٦٣]، وبقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨]، وقيل: المؤمن الذي آمن أولياءه عذابه، وقيل: المؤمن في صفة الله الذي أمِن الخلق من ظلمه، وقيل: المؤمن الذي يصدُق عباده ما وعدهم، وكل هذه الصفات لله - عز وجل -؛ لأنه صدق بقوله ما دعا إليه عباده من توحيد، وكأنه أمن الخلق من ظلمه، وما وعدنا من البعث والجنة لمن آمن به والنار لمن كفر به، فإنه مصدق وعده، لا شريك له".
وقال الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" (ص ٢٢١): "المؤمن في صفات الله - عز وجل - على وجهين:
أحدهما: أن يكون من الأمان؛ أي: يؤمن عباده المؤمنين من بأسه وعذاب، فيأمنون ذلك؛ كما تقول: "آمَنَ فلان فلاناً"؛ أي: أعطاه أماناً ليسكن إليه ويأمن، فكذلك أيضاً يقال: الله المؤمن، أي: يُؤْمِن عباده المؤمنين، فلا يأمن إلا من آمنه ...
والوجه الآخر: أن يكون المؤمن من الإيمان، وهو التصديق، فيكون ذلك على ضربين: أحدهما: أن يقال: الله المؤمن؛ أي: مصدق عباده المؤمنين؛ أي: يصدِّقُهم على إيمانهم، فيكون تصديقه إياهم قبول صدقهم وإيمانهم وإثابتهم عليه. والآخر: أن يكون الله المؤمن؛ أي: مصدق ما وعده عباده؛ كما يقال: صَدَقَ فلان في قوله وَصَدَّقَ؛ إذا كرر وبالغ، يكون بمنزلة ضَرَبَ وضَرَّبَ؛ فالله - عز وجل - مصدق ما وعد به عباده ومحققه.
فهذه ثلاثة أوجه في المؤمن، سائغ إضافتها إلى الله.
ولا يصرف فعل هذه الصفة من صفاته - عز وجل -، فلا يقال: آمن الله؛ كما يقال: تقدس الله، وتبارك الله، ولا يقال: الله يؤمن، كما يقال: الله يحلم ويغفر، ولم يستعمل ذلك؛ كما قيل: تبارك الله، ولم يقل: هو متبارك، وإنما تستعمل صفاته على ما استعملتها الأمة وأطلقتها".

<<  <  ج: ص:  >  >>