للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "العَزِيْزُ" (١) فسراه بما تراه، وغيرهما قال (٢): هو الخطير الذي [لا يحل] (٣) وجود مثله، وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه، فما لم تجتمع هذه المعاني الثلاثة لم يطلق اسم العزيز عليه، ثم فسر الثلاثة وضرب الأمثال، وأبان أنها لا تكون إلا لله، فشدة الحاجة أن يحتاج إليه كل شيء في كل شيء حتى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك على الكمال إلا لله، والكمال في صعوبة المنال أن يستحيل الوصول إليه على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلا لله، فقد بينا أنه لا يعرف الله إلا الله.

فائدة (٤): يتخلق العبد من هذا بأن يكون ممن يحتاج إليه خلق الله في أهم أمورهم وهي الحياة الأبدية والأخروية، وذلك مما يقل وجوده ويصعب إدراكه وهي رتبة الأنبياء - عليهم السلام -، ويشاركهم في العز من ينفرد بالقرب في عصره من درجتهم كالخلفاء، وورثتهم من العلماء، وعزة كل واحد منهم بقدر علو رتبته، وبقدر عنايته في إرشاد العباد.


(١) العزيز: هو المنيع الذي لا يغلب، والعزّ في كلام العرب على ثلاثة أوجه:
أحدها: بمعنى الغلبة، ومنه قولهم: من عزَّ بزّ، أي: من غلب سلب، يقال عنه: عز يُعزّ بضم العين من يُعزُّ، ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣)} [ص: ٢٣].
والثاني: بمعنى الشدة والقوة، يقال منه: عزّ يعَزُّ بفتح العين.
والثالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال منه: عزّ الشيء يعِزُّ بكسر العين من يعِزُّ.
انظر: "شأن الدعاء" (ص ٤٧ - ٤٨)، "تهذيب اللغة" للأزهري (٧/ ١٤٧).
وقال الغنيمان في شرح "كتاب التوحيد" (١/ ٢٤٩): والعزة من صفات ذاته تعالى التي لا تنفك عنه، فغلب بعزته، وقهر بها كل شيء، وكل عزة حصلت لخلقه، فهي منه.
انظر: "معاني القرآن الكريم" للنحاس (٢/ ٢١٩).
(٢) في "المقصد الأسنى".
(٣) كذا في (أ، ب)، والذي في المقصد: "يقل".
(٤) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى"، وانظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص ٨٤ - ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>