للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "الغَفَّار" (١) فسراه بما تراه، وقال غيرهما: أنه الذي يظهر الجميل ويستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي يسترها بإسبال الستر عليها في الدنيا والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة.

والعفو: هو الستر، وأول ستره على العبد: أن جعل متاع بدنه الذي تستقبحه الأعين مستورة في باطنه مغطاة بجمال ظاهره، فكم بين باطن العبد وظاهره في النظافة والقذارة، والقبح والجمال، فانظر ما الذي أظهره وما الذي ستره.

وستره الثاني: أن جعل خواطره المذمومة وإرادته القبيحة سرّ قلبه حتى لا يطلع أحد على سرّه، ولو انكشف للخلق ما يخطر بباله من مخازي وساوسه، وما ينطوي عليه ضميره من الغش والخيانة وسوء الظن بالناس لمقتوه، بل سعوا في هلاكه، فانظر كيف ستر عن غيره أسراره وعوراته.

وثالث ستره على عبده: مغفرة ذنوبه التي كان يستحق الافتضاح بها على رءوس الخلائق.

فائدة (٢): يتخلق العبد من هذه الصفة أن يستر على غيره ما يجب أن يستره عليه، فلا يفشي عن خلق الله إلا أحسن ما يعلم، وكل مخلوق لا ينفك عن كمال ونقص وعن قبح وحسن، فمن تغافل عن المقابح وذكر المحاسن فهو ذو نصيب من التخلق بهذا الوصف، كما


(١) قال ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" (ص ١٤): "ومن صفاته الغفور وهو من قولك: غفرت الشيء: إذا غطيته، كما يقال: كفرته إذا غطيته، ويقال: كذا أغفر من كذا؟ أي أستر".
وقال السعدي في تفسيره (٥/ ٣٠٠): العفو الغفور الغفار: الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.
انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص ٥٢)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص ٩٣).
(٢) انظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى". (ص ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>