للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "الصَّبُور" (١) وهو (٢) الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، بل ينزل الأمور بقدر معلوم، ويجريها على سنن محدودة، لا يؤخرها عن آجالها المقدرة لها تأخير متكاسل، ولا يقدمها على أوقاتها تقديم مستعجل، [ويوقع] (٣) كل شيء في أوانه على الوجه الذي يجب أن يكون كما ينبغي، وكل ذلك من غير مقاساة داعٍ على مضادة الإرادة.

وأما صبر (٤) العبد فلا يخلو عن مقاساة؛ لأن معنى صبره هو ثبات داعي الدين أو العقل في مقابلة داعي الشهوة والغضب، فإذا تجاذبه داعيان متضادان فدفع الداعي إلى المبادرة، ومال إلى باعث التأخير سمي صبوراً، إذ جعل باعث العجلة مقهوراً.

وباعث العجلة في حق الله معدوم؛ فهو أبعد عن العجلة ممن [باعثها] (٥) موجود، ولكنه مقهور، فهو أحق بهذا الاسم بعد أن أخرجت [٤٦٥ ب] عن الاعتبار تناقض البواعث، ومصابرتها بطريق المجاهدة.


(١) الصبر: يوصف الله - عز وجل - بصفة الصبر، كما هو ثابت في السنة الصحيحة، أما (الصبور) ففي إثبات أنه اسم لله تعالى نظر؛ لعدم ثبوته، ولم نجد آية أو حديثاً صحيحاً يثبت هذا الاسم لله سبحانه.
الدليل: ما أخرجه البخاري رقم (٧٣٧٨)، ومسلم رقم (٤٩) من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم".
قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص ٩٨): معنى الصبور في صفة الله سبحانه قريب من معنى الحليم، إلا أن الفرق بين الأمرين: أنهم لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور كما يسلمون منها في صفة الحليم، والله أعلم بالصواب.
(٢) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص ١٦١)، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص ٣٥٣).
(٣) كذا في (أ. ب)، والذي في "المقصد الأسنى" (ص ١٦١): "بل يودع".
(٤) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص ١٦١)، "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص ٢٦٧ - ٢٦٨).
(٥) كذا في (أ. ب)، والذي في "المقصد الأسنى": "باعثه".

<<  <  ج: ص:  >  >>