للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره من مقاصد خطبة الكسوف.

قوله: "فقال: إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد" سبب هذا القول ما في رواية: "إن ابناً للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له: إبراهيم مات، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم" (١). وفيه روايات.

قوله: "ولا لحياته" قال الحافظ ابن حجر (٢): استشكلت هذه الزيادة؛ لأن السياق إنما ورد في ظن أن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة.

قال (٣): والجواب أن فائدة ذكر الحياة وقع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سبباً للفقد أن لا يكون سبباً للإيجاد، فعمّم الشارع النفي لدفع هذا التوهم. انتهى.

قلت: كنت كتبت على هامش "الفتح" على هذا الكلام ما لفظه: فيه بحثان؛ الأول: أن القائلين كسفت الشمس لموت إبراهيم جعلوا الكسوف سبباً عن موته لا سبباً له كما قاله، ولفظ الحديث [٣٠٤ ب] صريح في ذلك، أعني قولهم: كسفت لموت فلان، أي: سبب عن موته كسوف الشمس.

البحث الثاني: أن القول بأنه يكون الكسوف سبباً للإيجاد، كما قال: أنه لدفعه يريد: ولا لحياته, قول لا تعرفه العرب ولا غيرهم ولا مناسبة لذلك أصلاً، فإنه إنما فصّل لهم تخيل


(١) أخرج أحمد (٤/ ٢٤٩، ٢٥٣)، والبخاري رقم (١٠٦)، ومسلم رقم (٢٩/ ٩١٥)، عن المغيرة قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عَزَّ وَجَلَّ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته" فإذا رأيتموهما فادعوا الله تعالى، وصلُّوا حتى ينجلي"، وهو حديث صحيح.
(٢) في "الفتح" (٢/ ٥٢٩).
(٣) في "الفتح" (٢/ ٥٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>