للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الكسوف تسبب من موت عظيم من عظماء الأرض؛ لأنه حدوث تغير في العالم السفلي يناسبه تغير العالم العلوي.

وأعظم آيات السماء [٥٤٠/ أ] بتغير نورهما يناسب تغير الأرض بموت عظيم من عظمائها، فإن موته يحدث في الأرض ظلمة معنوية، كما قال أنس (١): لما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أظلم من المدينة كل شيء.

وفي مرثاة عمر بن عبد العزيز:

الشمس كاسفة ليست بطالعة البيت.

وهو كثير في الأشعار المراثي، وحينئذ يناسب تخيل أن كسوف الشمس سبب عن موت عظيم من أهل الأرض.

وأما أنه يكون كسوفها متسبباً عن إيجاد عظيم أو خلوصه من علة يخاف عليه منها أو نحو ذلك؛ فلا مناسبة لذلك أصلاً، بل يناسبه زيادة نور الشمس والقمر وإشراقهما؛ لأن إيجاد العظيم يحدث لأهل الأرض إنارة وإشراقاً وسروراً، وفي تناسبه إنارة العالم العلوي، ولذا قال العباس مادحاً له - صلى الله عليه وسلم -:

وأنت لمّا ولدت أشرقت الدنيا ... ونارت بضوءها الأُفق

وقال غيره:

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضُحى وأبو إسحاق والقمر

فجعل من تشرق الدنيا بوجوده ثالث النيّرين.

وإذا عرفت ضعف ما ذكره الحافظ (٢) من نكته التعميم، فالذي يظهر لي أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما


(١) تقدم.
(٢) في "فتح الباري" (٢/ ٥٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>