للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابن الأثير في "غريب الجامع" (١) هذا الوجه، واستحسنه وقال: لم يسمع أنَّ طائفة من طوائف المشركين في الأزمان [المتقدمة] (٢) عبدت آلهتها بالصوم، ولا تقربت إليها به، ولا دانتها به، ولا عُرِفَ الصومُ في العبادات إلاَّ من جهة الشرائع، فلذلك قال الله: "الصوم لي" أي: لم يشاركني فيه أحدٌ، ولا عُبد به غيري، وأنا حينئذٍ أجزي به على قدر اختصاصه بي، وأنا أتولى الجزاء عليه بنفسي لا أكلِهُ إلى أحد من ملك مقرب، أو غيره، ثم أجاز هذا القول، وقال: إنَّه أخبره به الأمير مجاهد الدين أبو منصور قايماز بن عبد الله، وذكر أنَّه مما وقع له ابتكاراً، ولم يسمعه من أحدٍ، ولا وقف عليه في كتاب، ولم أسمعه أنا من غيره، ولقد أصاب فيما وقع له وأحسن وفقه الله لعرفانه.

ولم يتنبه لما أورده الحافظ من انتقض بصيام من ذكر لما ذكر.

قوله: "يدع شهوته وطعامه من أجلي".

أقول: المراد بشهوته: شهوة الجماع، والمراد: أنَّه جاهد نفسه طول نهاره مع ميل نفسه إلى ما جاهدها عليه، فأمَّا من لم يعرض له ذلك فغيره أفضل منه، وإنما حملناه على الجماع؛ لأنَّه عطف عليه الطعام، ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، وفي رواية ابن خزيمة: "يدع الطعام والشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي".

قوله: "للصائم فرحتان" بيَّنهما بقوله: "فرحة عند فطره" قيل: لزوال الجوع، والعطش، وقيل: لإتمام الصوم، والمثوبة.

قلت: أولهما ويرشد له الدعاء عند الإفطار: "اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا" (٣).


(١) (٩/ ٤٥٤).
(٢) كذا في (أ. ب)، والذي في "الجامع": "المتقادمة".
(٣) أخرجه أبو داود رقم (٢٣٥٧)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (٣٣١٥)، والدارقطني في "السنن" (٢/ ١٨٥ رقم ٢٥)، والحاكم (١/ ٤٢٢) من حديث ابن عمر، وهو حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>