قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ولا تحصل الطهارة بمائع غيره، فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء].
إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء؛ لحديث ابن عمر:(إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، وفي لفظ:(لم ينجس) يعني: أنه إذا لاقته النجاسة فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه في النجاسة وهي لونه أو طعمه أو ريحه, أما إذا لاقته النجاسة وهو قلتان فلا ينجس، والقلتان: ما تقارب خمس قرب وهما ذراع وربع تقريباً طولاً وعرضاً وعمقاً, فإذا بلغ الماء قلتين -خمس قرب- ولاقته نجاسة فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه, أما إذا كان دون القلتين فإنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم يتغير في أوصافه، عملاً بحديث القلتين، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وكثير من الفقهاء.
القول الثاني: أنه لا ينجس حتى ما دون القلتين إلا إذا تغير أحد أوصافه؛ لحديث أبي سعيد:(الماء طهور لا ينجسه شيء)، وحديث القلتين:(إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) هذا منطوقه ومفهومه: أنه إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث بمجرد الملاقاة, لكن هذا المنطوق ألغاه حديث أبي سعيد:(الماء طهور لا ينجسه شيء) والصواب: أن الماء لا ينجس إلا إذا تغيرت أوصافه قليلاً كان أو كثيراً, وسواء كان دون القلتين أو فوق القلتين, وأما مفهوم حديث ابن عمر أنه إذا لم يبلغ القلتين يحمل الخبث وينجس بمجرد الملاقاة، هذا المفهوم أبطله وألغاه حديث أبي سعيد:(الماء طهور لا ينجسه شيء)، فالماء إذا اختلط قليلاً أو كثيراً لا ينجس إلا إذا تغيرت أوصافه، وإذا كان الماء قليلاً في الأواني فإنه يراق؛ لما ورد في بعض أحاديث ولوغ الكلب بلفظ:(فليرقه)، أما إذا كان في غير الأواني فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه، وحديث القلتين يفيد أن الماء القليل على الإنسان أن يعتني به؛ لأنه قد تغيره النجاسة وهو لا يشعر، فينظر فيه ويتأمل فإن تغير أحد أوصافه فهو نجس وإلا فهو طهور.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[فإذا بلغ الماء قلتين أو كان جارياً لم ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه].
وكذلك إذا كان الماء جارياً لا بأس؛ لأن الجرية تذهب وتأتي بعدها جرية أخرى, فإذا كانت المياه جارية فلا تنجس إلا إذا تغيرت أوصافها, وكذلك إذا كان الماء أكثر من القلتين فإنه لا ينجس إلا بالتغير على ما ذهب إليه المصنف وعرفنا أنه حتى ما دون القلتين لا ينجس إلا بالتغير.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة].
الشيخ: يعني: مادون القلتين ينجس بمجرد المخالطة ولو لم يتغير، والصواب أنه لا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: اللون أو الطعم أو الريح كما ذهب إلى ذلك المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أهل العلم.