[ما يقال بعد التشهد]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن يتعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال].
يستحب التعوذ من هذه الأربع المذكورة، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
(من عذاب جهنم): وجهنم هي النار، وهو من أسمائها، وكذلك من عذاب القبر فهو ثابت في النصوص، وقد جاءت عجوز من عجائز اليهود إلى عائشة فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر في أول الهجرة، فأنكرت عليها، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (نعم، إن الإنسان يعذب في قبره، قالت: فما سمعت الرسول بعد ذلك صلى صلاة إلا ويستعيذ بالله من عذاب القبر).
(ومن فتنة المحيا والممات): فتنة الحياة من الشهوات والشبهات والحروب وإلى غير ذلك من الفتن، وكذلك الفتن التي تنبع عند الموت، فالشيطان يفتن الإنسان.
(ومن فتنة المسيح الدجال): وهو رجل يخرج في آخر الزمان، يدعي الصلاح أولاً ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية، وهو كافر وهو الدجال الأكبر -نسأل الله السلامة والعافية- ويمكث أربعين كما جاء في الأحاديث، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامنا، ثم يُقتل على يد مسيح الهدى وهو عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فيقتل مسيح الهدى مسيح الضلالة.
فيستحب الاستعاذة من هذه الأربع، وهذا هو المشهور عند جمهور العلماء أنها مستحبة، وذهب طاوس بن كيسان اليماني التابعي الجليل إلى أنه يجب الاستعاذة بالله من هذه الأربع.
وجاء عنه أنه قال لابنه لما صلى: هل استعذت بالله من أربع؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك، دل على أنه يرى أنها واجبة الاستعاذة بالله من هذه الأربع وأنه لا بد منها، لكن المعروف والمشهور عند جماهير العلماء أنه مستحب.
ويكفر من أنكر عذاب القبر إذا قامت عليه الحجة وليس له شبهة؛ لأنه ثابت في الكتاب والسنة، والله تعالى بين هذا في كثير من الآيات، منها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} [فصلت:٣٠]، هذا أيضاً في الدنيا عند الموت وهذا أول منازل القبر، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:٩٣] {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:٥٠]، وهذا يكون عند الموت، وهذا من أدلة عذاب القبر من الكتاب، أما السنة فهي كثيرة.
وقد وردت أدعية كثيرة في آخر التشهد، ومنها ما علم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، وكذلك الاستعاذة من عذاب القبر ومن فتنة الدنيا، وجاءت أحاديث كثيرة في الدعاء في آخر التشهد، وفي آخر الصلاة منها: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، دبر كل صلاة، وقال شيخ الإسلام: دبر الشيء آخره، ودبر الحيوان آخره، فقال: إنها تكون قبل السلام.
والأمر في قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع) للاستحباب، وهذا هو ما عليه جمهور العلماء.