[المواقيت لأهلها ولمن مر عليها]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذه المواقيت لأهلها ولكل من يمر عليها].
لما ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة).
وإذا تجاوز الحاج أو المعتمر الوادي ولم يحرم فعليه دم، وإذا تجاوز الوادي بيسير وجب عليه أن يرجع، فإن رجع وأحرم من الميقات فليس عليه شيء، وإن أحرم من مكانه فعليه دم عند أهل العلم، والدم هو شاة يذبحها.
أما قبله بيسير فلا بأس.
فإن سأل سائل: ما هو حد القليل أو اليسير الذي للمحرم أن يحرم منه قبل وصوله إلى الميقات؟
الجواب
القليل أو اليسير يعود إلى العرف.
ولكن إذا كان قبل الميقات فهذا الأولى تركه، وهو إحرام صحيح لكنه مكروه، ولا ينبغي له فعله.
ولما أحرم بعضهم من بيت المقدس أنكر عليه الصحابة.
المقصود: أن الإحرام قبل الميقات مكروه، وينعقد على الصحيح، وهو مثل الإحرام قبل أشهر الحج، وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة، فلو أحرم في رمضان للحج فهل ينعقد إحرامه أم لا؟ وهذا قل أن يحدث من الناحية العملية، فقيل: ينعقد مع الإثم أو مع الكراهة، وقيل: لا ينعقد.
ومن كان قصده أن يزور المسجد النبوي ثم يحرم بعد الزيارة فلا بأس عليه، فإذا مر من ميقات الجحفة ولم يقصد الإحرام فقط بل قصد الزيارة، ثم بعد الزيارة يحرم من المدينة، فلا بأس أن يزور أولاً ثم يحرم ثانياً من ميقات أهل المدينة.
فمن كانت عنده نية الزيارة لما مر بالميقات لا الإحرام، فذهب للزيارة ثم بعد الزيارة أحرم فلا بأس، أما إذا مر بالميقات وهو يريد الإحرام فيتجاوزه ففيه خلاف، فقال بعض أهل العلم: إذا كان ميقات المدينة أبعد من ميقاته الأصلي فلا بأس ومعلوم أن ميقات المدينة أبعد المواقيت، أما إذا كان ميقات بلده أقرب له فينبغي له أن يرجع إليه، ما دام أنه مر به وهو يريد الحج أو العمرة، وإن ذهب إلى ميقات آخر لم يكن له ذلك، لكن لو مر بميقات بلده ولم يقصده الإحرام بل قصد زيارة المسجد النبوي في هذا لا بأس به.
فإن قال قائل: كثير من الناس اليوم يذهبون إلى جدة فيجلسون فيها أياماً ثم بعد ذلك يذهبون للعمرة وقد أضمروا نية العمرة قبل الذهاب إلى جدة، فما حكم من فعل مثل هؤلاء؟ نقول: هذا يجب عليه أن يرجع إلى الميقات ويحرم منه للعمرة، فإن لم يرجع فعليه دم.
أما إن أحرم من جدة فهذا غلط، وجدة عرفها العلماء قديماً وحديثاً وليست ميقاتاً ولا حددت ضمن المواقيت.
أما من يأتي جواً فلابد أن ينوي الإحرام عند محاذاته الميقات، أما النية العامة للحج أو العمرة فكل الذاهبين ينوون ذلك لكن لابد من تجديدها عند محاذاة الميقات، فإن نام بعضهم وتجاوز الميقات، ولم يشعر كان عليه أن يرجع، فإن لم يرجع فعليه دم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فهذه المواقيت لأهلها ولكل من يمر عليها).
أي: إذا مر نجدي بميقات أهل اليمن فيحرم منه، وإذا مر يمني بميقات أهل نجد فيحرم منه، ولا نقول له: ارجع إلى ميقات أهل اليمن أو نجد فأحرم منه، بل نقول له: أحرم من الميقات الذي مررت به.
أما لو تجاوز ميقات بلده وأحرم من ميقات آخر فنقول له: ارجع إلى ميقات بلدك فأحرم منه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (هن لهن)، وفي حديث ابن عباس: (ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن منزله دون الميقات فميقاته من منزله].
أي: يحرم من مكانه، فأهل الشرائع يحرمون من الشرائع، وأهل بحرة يحرمون منها، وأهل جدة يحرمون منها، حتى أهل مكة يحرمون من مكة للحج، أما في العمرة فعليهم أن يخرجوا إلى أدنى الحل من التنعيم.
وبعض الناس يذهبون إلى المدينة بقصد الزيارة ولم يحرموا من مواقيت بلدانهم، فهؤلاء يحرمون من ميقات أهل المدينة، ولا يلزمه أن يرجع إلى ميقات بلده.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم، ويهلون للعمرة من أدنى الحل].
كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة على إحرامهم من منازلهم وأمرهم بذلك، ولما أرادت عائشة العمرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم، وكانت في مكة.
فدل هذا على أن من كان في مكة وأراد العمرة فليس له أن يحرم من جوف مكة، بل لابد أن يخرج إلى الحل، وإن كان التنعيم الآن قد صار في وسط مكة، إلا أنه من الحل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه].
أي: إذا حاذى أقرب المواقيت إليه يحرم منها، سواء أكان في البر أو البحر أو الجو، وإذا كان في الجو وجاء من نجد من الرياض فإنه يحرم إذا حاذى السيل.
وكذلك أيضاً إذا كان في البحر وحاذى أقربها، أو كان مسافر براً ولم يمر على ميقات، إذا حاذى أقرب المواقيت إليه يحرم منها، لقول الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥] وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨].