[شروط الرضاع المحرم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة:].
أي: أن الرضاع لا يحرم إلا بشروط ثلاثة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أحدها: أن يكون لبن امرأة، بكراً كانت أو ثيباً، في حياتها أو بعد موتها].
هذا هو الشرط الأول: أن يكون لبن امرأة، كانت بكراً أو ثيباً، فالبكر التي لم تتزوج إذا اجتمع فيها اللبن، أو كانت عجوزاً كبيرة وأخذت طفلاً ثم درت عليه ولو لم يكن معها زوج فإن المحرمية تثبت، ولو أخذته بكر ثم درت عليه، أو أخذته عجوز ولو بعد إياس ثم درت عليه، أو أخذته امرأة لها زوج فأرضعته، فالمهم أن يكون لبن رضاع، أو حتى بعد وفاة المرأة، وهذا من الفرضيات لكن قد يقع، فإذا ماتت وجاء طفل ودب وارتضع منها فوجد فيه لبناً، ثم أطلق الثدي، ثم ارتضع منها وهي ميتة وكرر هذا خمس مرات فإن المحرمية تثبت لبناتها، فالشرط الأول إذاً: أن يكون لبن امرأة، وهذه المرأة سواء كان معها زوج أو لم يكن معها زوج؛ لأنها قد تدر عليه بدون زوج وهي بكر أو عجوز كبيرة حية أو ميتة، أما الرجل فلا، فإن هذا من الفرضيات، ولو أرضعه رجل فلا تثبت المحرمية؛ لأن الرجل ليس محلاً للإرضاع، أو رضع لبن البهيمة كأن يشرب من بقرة، أو من شاة، أو من خلفة، فهذا لا تثبت به محرمية، فلابد أن يكون لبن امرأة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فأما لبن البهيمة أو الرجل أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئاً].
ذكرنا أن لبن البهيمة لا يحرم، وكذلك لبن الرجل لا يحرم، وهذا من الفرضيات، ولو قدر أن رجلاً أرضع -مع أن الرجل ليس له ثدي- فلا تثبت الحرمة؛ لأنه ليس محلاً للرضاع، وكذلك أيضاً الخنثى المشكل، والخنثى المشكل هو الذي له آلتان: آلة ذكر وآلة أنثى، وأمره مشكل لم يتبين، وأما إذا كان له آلتان وكان خنثى فاتضح الأمر بأن نبتت له لحية، فهذا رجل، فلو كان له آلتان وأرضعه لا يصح رضاعه، وأما إذا اتضح أنه أنثى بأن كان له ثديان، أو كان يبول من آلة الأنثى واتضح أمره ثم در له لبن فإنه تثبت به الحرمة إذا تبين أنه أنثى، وأما الخنثى المشكل الذي لم يتبين أمره فهذا لا يحرم لبنه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثاني: أن يكون في الحولين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام)].
الشرط الثاني: لابد أن يكون في الحولين، وأما ما كان بعد الحولين فإنه لا يحرم.
وأما ما جاء في قصة سالم مولى أبي حذيفة فإنه خاص بـ سالم مولى أبي حذيفة وسهلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثالث: أن يرتضع خمس رضعات؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (أنزل في القرآن عشر رضعات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك)].
وفي لفظ: (توفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن)، والمعنى أن بعض الناس الذي لم يعلم بالنسخ استمر على قراءتها حتى علموا بالنسخ لأن نسخها تأخر، فهذا هو الصواب، فلابد من خمس رضعات، وقال جمهور العلماء: إنه يكفي الرضعة الواحدة؛ أخذاً بإطلاق الآية: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:٢٣].
وذهب جماعة إلى أنه لا يحرم إلا الثلاث رضعات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان)، قالوا: فدل على أن الثلاث تحرم، والصواب أنه لابد من خمس رضعات؛ لحديث عائشة السابق.