للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صلاة المسافر]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: صلاة المسافر.

وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً، وهي مسيرة يومين قاسطين، وكان مباحاً له فله قصر الرباعية خاصة].

هذا هو المسافر عند جمهور العلماء، من سافر ستة عشر فرسخاً في سفر مباح، فهذه مسافة السفر، فإذا كانت هذه المسافة تبلغ هذا القدر الذي قدره المؤلف فإنه يترخص برخص السفر، ستة عشر فرسخاً وهي أربع برد، ما بين البريد والبريد أربعة فراسخ، فتكون أربعة في أربعة برد، بستة عشر فرسخاً، والفرسخ ثلاثة أميال، فتكون ثمانية وأربعين ميلاً، والميل كيلو ونصف أو كيلوين إلا ثلث تقريباً، فتكون المسافة تقارب ثمانين كيلو، فهذا الذي أقره جمهور العلماء، إذا كانت هذه هي المسافة فيترخص برخص السفر مسافة ثمانين كيلو، ولا بد أن يكون السفر مباحاً، فإن كان سفر معصية كأن سافر لتجارة خمر أو للدخان أو للعدوان على ظالم أو للسرقة أو قطع الطريق فلا يترخص برخص السفر.

القول الثاني وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه لا تشترط المسافة، وليس لها تحديد وإنما العبرة بالعرف، فما يعده الناس سفراً فهو سفر، ويحتاج إلى حمل الزاد والطعام، وما لا يعده الناس سفراً فلا، وعلى قول شيخ الإسلام فالسفر إلى الخرج لا يعد سفراً، فالثمانين الكيلو والمائة والمائتان لا تعتبر سفراً عند شيخ الإسلام ابن تيمية، والجمهور يعتبرون هذا، ولابد أن يكون السفر مباحاً، فإن كان السفر محرماً فلا يصح الترخص، والقول الآخر أنه يترخص للسفر وعليه إثم فعل المحرم، فقد يكون ترخصه سبباً في توبته.

وفي السفر الأفضل الأخذ بالرخصة، فالقصر سنة مؤكدة ينبغي فعله، وأوجبه بعض العلماء كما سيأتي.

وكذلك في الجمع بين الصلوات في المطر، فهذه هي القاعدة العامة، أن الأخذ بالرخص أفضل لكن ينبغي المراعاة والنظر والتأمل في أحوال الناس، فهذا يختلف باختلاف أحوال الناس، وباختلاف الأزمنة والأمكنة، فمثلاً في زمننا الآن الشوارع واسعة، وليس فيها دحض ولا مشقة، والناس أكثرهم يملكون سيارات، ويخرجون لحاجة يسيرة، فلا ينبغي للإنسان أن يجمع إلا في عذر واضح، أما في القرى أو في الهجر أو في البيوت التي هي أعشاش، والتي فيها طين، فهؤلاء كما قال ابن عباس: (كرهت أن أحرجكم فتدوسون الطين إلى ركبكم) أما الآن في مجتمعنا فلا يوجد طين ولا دحض يدوسه الإنسان إلى ركبته، والغالب أنه إذا جاء مطر نشفت الأسواق، ويكون هناك تصريف للسيول.

المقصود: أن هذا يختلف باختلاف الأحوال والأمكنة والأزمنة، وهناك القرى التي فيها الدحض والطين فمجرد ما يأتي المطر والناس فقراء ليس عندهم وسائل لإصلاح الطرقات، فمجرد ما يأتي المطر يحدث مشقة عظيمة عليهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسخاً وهي مسيرة يومين قاسطين وكان مباحاً].

يومان قاسطان للإبل المحملة بثقل الأحمال ودبيب الأقدام، فهذه مسافة القصر، وهي تعادل ثمانين كيلو تمشيها الإبل في يومين، ومثاله: من هنا إلى الخرج تمشي مدة يومين إذا كانت الإبل محملة، فهذه مسافة القصر، فقوله: (يومين قاسطين) يعني: متوسطين، والقسط: التوسط، ويبدأ حساب السفر من مفارقة البنيان، فتبدأ تأخذ برخص السفر.

قول الجمهور أنه لا قصر إلا في سفر مباح والقول الثاني: أنه ولو كان سفراً محرماً فإنه يترخص.

وسواء كان سفر عبادة: كالحج أو العمرة أو الجهاد، أو سفر مباح كالسفر للتجارة أو غيرها.

وإذا كان قصد التنزه في مكان، وهذا المكان مسافته مسافة القصر فإنه يترخص، إلا إذا نوى أن يقيم في هذا المكان أكثر من أربعة أيام فإنه يتم، كأن يكون نازلاً مخيماً في مكان لمدة أسبوع أو أسبوعين فهذا لا يترخص وهو قول جمهور العلماء، أما إذا كان الذي يقيم يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة، أو يقيم ولا يدري متى تنتهي إقامته فهذا لا يزال يترخص برخص السفر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فله قصر الرباعية خاصة إلا أن يأتم بمقيم].

فيقصر الرباعية إلا إذا كان مقيماً، فإذا صلى المسافر خلف المقيم يلزمه الإتمام، كما جاء عن ابن عباس أنه سئل: ما لنا إذا صلينا مسافرين قصرنا، وإذا صلينا خلف المقيمين نتم؟ قال: تلك السنة، أو تلك سنة نبيكم، فإذا صلى المسافر خلف المقيم يلزمه الإتمام.

وإذا أدرك مع الإمام المقيم ركعتين فقط ثم سلم فإنه يأتي بالركعتين، فإن سلم فصلاته باطلة، ويعيد الصلاة أربعاً من أولها، فيجب عليه أن يتابع الإمام ولا يختلف عليه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا أن يأتم بمقيم أو لم ينو القصر].

إذا نوى الإتمام فلا بأس، والصواب أن القصر مستحب وليس بواجب، ولو أتم صح، لكن هذا خلاف الأولى.

القول الثاني لأهل العلم: أنه يجب القصر، وهو قول الظاهرية، والصواب أنه لا يجب، والدليل على هذا ما ثبت: أن الصحابة رضوان الله عليهم صلوا خلف عثمان بن عفان الخليفة الراشد في منى أربعاً فأتموا الصلاة، وإن كان عبد الله بن مسعود استرجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لكنهم صلوا خلفه، ولو كانت صلاة المسافر الرباعية لا تصح لما صلوا خلفه، ولأجمعوا على هذا.

وقد ثبت: أن عائشة أتمت في السفر، فالصواب أنه يجوز، لكنه خلاف الأولى، وخلاف السنة.

وإذا جهل المسافر حال الإمام هل هو مسافر أو مقيم فيعمل بالأصل وهو الائتمام، وإن غلب على ظنه أنه مسافر قصر.

وفيه اختلاف بين العلماء، فبعض العلماء يرى أن هذا يكون معذوراً، وبعضهم يرى أنه يصلي نافلة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو ينسى صلاة حضر فيذكرها في السفر، أو صلاة سفر فيذكرها في الحضر فعليه الإتمام].

إذا نسي صلاة الظهر وتذكرها في السفر فإنه يصليها أربعاً، فلا يقل: أنا مسافر فسأصليها ركعتين، وكذلك العكس إذا كان مقيماً، وتذكر أنه نسي صلاة وهو مسافر فيصليها أربعاً.

وإذا دخل المسجد وهو مسافر وأرادوا أن يصلي بهم فليخبرهم أنه مسافر ويقول: اجعلوا واحداً منكم يتقدم لكي نتم، فإن أصروا صلى بهم ركعتين، ثم إذا سلم وهم يكملون صلاتهم.

فيأمرهم بالإتمام ويخبرهم فيقول: أنا سأصلي ركعتين وبعد السلام تكملون، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأهل مكة في غزوة الفتح: (أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وللمسافر أن يتم والقصر أفضل].

هذا هو الصواب، وقال بعض العلماء: ليس له أن يتم، والصواب له أن يتم كما أتم الصحابة خلف عثمان، وإن كان خلاف السنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم].

وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء، إذا نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أي: ما زاد عن أربعة أيام أتم، فإن كان أقام أربعة أيام فأقل يقصر، وقال بعض العلماء: ثلاثة أيام، وقال بعض العلماء: عشرة أيام، وقال بعض العلماء: عشرون يوماً، والصواب هو القول الذي عليه جمهور العلماء: أربعة أيام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم في حجة الوداع قدم في اليوم الرابع من ذي الحجة، ونزل بالأبطح أربعة أيام يقصر الصلاة، ثم انتقل إلى منى في اليوم الثامن، فما زاد على هذه المدة فإنه يتم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن لم يجمع على ذلك قصر أبداً].

قوله: (يجمع) أي: يصمم ويعزم، قال تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس:٧١]، يعني: اعزموا، فهو مقيم في بلد، وعنده حاجة لكنه لا يدري متى تنتهي، لديه معاملة إن انتهت اليوم مشى، وإن انتهى بعد يومين مشى فلا يدري متى ينتهي، فهذا لا يزال يقصر، أما إذا كان قد عزم على أنه سيقيم خمسة أيام أو ستة أيام أو أسبوعاً فإنه لا يترخص، وإذا لم يكن عنده تصميم فهذا هو معنى قوله (لم يجمع) فإنه لا يزال يترخص في وقت الصلاة، لكن إذا كان في البلد فإنه يصلي مع الناس ولا يصلي وحده، فيجيب المؤذن.

فإذا كان المسافر متردداً في السفر فإنه يقصر ولو شهراً كاملاً، وقد ورد أن ابن عمر قام بأذربيجان ستة أشهر يقصر، حيث منعته الثلوج، وكل يوم يريد أن يسافر، ولكن الثلوج باقية.

أما أهل مكة فالصواب أنهم يقصرون إذا كانوا حجاجاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالحجاج ومنهم أهل مكة، فقصروا ولم يأمرهم بالإتمام، وإن كان مذهب الحنابلة أن أهل مكة يتمون، لكن الصواب كما قرره ابن القيم أن أهل مكة وغيرهم يقصرون جميعاً، وهذا القصر هل هو نسك أم أنه للسفر؟ فمن قال: إنه للسفر قال: أهل مكة ليسوا مسافرين فيتموا، ومن قال: إنه نسك قال: يقصرون، والصواب أنهم يقصرون مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالحجاج من أهل مكة وغيرهم ولم يأمرهم بالإتمام، وإنما أمرهم في جوف مكة، قال: (أتموا يا أهل مكة، فإنا قوم سفر) ولم يقل لهم في منى: أتموا.