[التطوع المطلق]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الضرب الثالث: التطوع المطلق، وتطوع الليل أفضل من النهار].
التطوع المطلق: هو الذي لم يقيد بوقت، فهذا يسمى التطوع المطلق، وما قيد بوقت فمثل الوتر حيث قيد بالليل، وكذا السنن الرواتب تطوع مقيد.
والتطوع المطلق أن يصلي ما شاء في الليل أو في النهار، بعد المغرب أو بعد الظهر، وكذا سنة الوضوء من التطوع المطلق، وتحية المسجد من التطوع المطلق الذي لم يقيد بوقت.
وقوله: (وتطوع الليل أفضل من النهار).
فإن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والنصف الأخير أفضل من الأول].
لأن الثلث الأخير فيه التنزل الإلهي؛ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) فالأفضل النصف الأخير من الليل.
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان لا يفر إذا لاقى) عليه الصلاة والسلام، لقد آتاه الملك والحكمة والنبوة عليه الصلاة والسلام فكان يقضي بين الناس عليه الصلاة والسلام، وكان ينام النصف الأول من الليل ثم يقوم الثلث، يعني: يقوم السدس الرابع والسدس الخامس، ثم ينام السدس السادس ليتقوى به على أعمال النهار؛ لأنه كان حاكماً يقضي بين الناس قال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص:٢٦].
والنبي عليه الصلاة والسلام كان ينام نصف الليل الأول، ثم يقوم ثلث الليل الأول، يعني: السدس الرابع والخامس، ثم ينام السدس السادس فيتقوى به على العبادة، ونحن الآن نصف الليل الأول وثلثي الليل لا ننام، فإذا جاء وقت النزول الإلهي نمنا والله المستعان.
تقول عائشة في وصف قيام النبي صلى الله عليه وسلم: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر).
ولما سئلت: متى يقوم النبي؟ قالت: حين يصيح الصائح وهو الديك، وهذا في ثلث الليل، وقالت عائشة رضي الله عنها: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى وتره إلى السحر)، فثلث الليل أفضل من الثلث الأخير.
وفي الحديث الآخر: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال: جوف الليل أفضل)، فالسدس الرابع والخامس أفضل وهو ثلث الليل، والسدس الرابع داخل في صلاة داود.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصلاة الليل مثنى مثنى].
وهذه هي السنة، أي: صلاة الليل مثنى مثنى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث ابن عمر: (صلاة الليل مثنى مثنى) رواه البخاري في صحيحه.
ومعنى (مثنى مثنى)، أي: ثنتين ثنتين، وهذا خبر لكن معناه الأمر، والمعنى: لتكن صلاة الليل مثنى مثنى، أما صلاة النهار ففيها الخلاف، والجمهور يرون أنه لا بأس؛ لحديث: (صلاة الليل والنهار مثنى) وكلمة (والنهار) طعن فيها بعض العلماء كـ النسائي وغيره، ولهذا قالوا: لا بأس بصلاة النهار أربع ركعات، ولكن الأفضل أن يسلم من كل ركعتين حتى في النهار، أما الليل فلا يجوز أن يصلي أربع ركعات شفعاً أو ست ركعات بسلام واحد، إلا إذا نوى الوتر فيصلي ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم].
أي: يجوز للإنسان أن يصلي قاعداً وهو يقدر على القيام في النافلة، فلو أردت أن تصلي مثلاً الضحى وأنت جالس فلا بأس، أو تصلي الليل وأنت جالس، أو تصلي سنة الظهر القبلية أو البعدية وأنت جالس فلا بأس، لكن لك نصف أجر القائم، بخلاف المريض، أي: إذا كان الإنسان مريضاً لا يستطيع القيام فله أجر القائم؛ لحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد وسافر كتب الله له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً).
أما إذا كان صحيحاً فأحب أن يصلي جالساً فله ذلك، ولكن ليس له من الأجر إلا النصف، وهذا في غير النوافل، أما في الفريضة فلا يجوز أن يصلي جالساً وهو يستطيع.
فالسنة الراتبة يجوز أن تصليها وأنت جالس، وكذا صلاة الضحى والوتر وتحية المسجد وسنة الوضوء وصلاة الليل، لكن إن كنت قادراً فليس لك إلا نصف أجر القائم، وإن كان الإنسان لا يستطيع القيام لكبر أو مرض فأجره تام.
أما في الجنازة فلا ينبغي للإنسان أن يصليها جالساً؛ لأن وقته قصير، -أي: القيام- فلابد منه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قائماً، فلما كبر وضعف في آخر حياته كان يصلي جالساً، قالت عائشة رضي الله عنها: (لما ثقل وكبر كان يصلي صلاة الليل جالساً)، وكان يقرأ قراءة طويلة فإذا بقي عليه ثلاثون آية قام وقرأها ثم ركع، كما قال حذيفة: أنه صلى معه مرة وقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة.
قال عبد الله بن مسعود وهو شاب: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأطال القراءة حتى هممت بأمر سوء).
قيل له: وما هممت يا عبد الله بن مسعود؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه، يعني: ما استطاع طول قيامه عليه الصلاة والسلام وهو شاب، والنبي في الستين من عمره عليه الصلاة والسلام.
قالت عائشة رضي الله عنها: (وكان ركوعه قريباً من قيامه، وسجوده قريباً من قيامه)، فكان في آخر حياته يصلي وهو جالس ويقرأ قراءة طويلة، فإذا بقي عليه ثلاثون آية قام فقرأها ثم ركع عليه الصلاة والسلام.
أما الصلاة على الدابة أو السيارة فهذا في السفر خاصة وليس في الحضر، ثم إن قائد السيارة لا يصلي النافلة؛ لأنه في خطر، فالسائق لا ينبغي له أن يصلي على السيارة لأنه ليس كركوب الدابة.