[أحكام الكفارات إذا اجتمعت أو اختلفت]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كرر محظوراً من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة].
إذا كرر محظوراً من جنس واحد غير الصيد فالكفارة واحدة، فمثلاً تطيب مرة، ثم تطيب مرة أخرى أربع مرات خمس مرات، فعليه كفارة واحدة من جنس واحد، أو حلق جزءاً من رأسه، ثم حلق الجزء الثاني، ثم حلقه كله فعليه كفارة واحدة؛ لأنها من جنس واحد، إلا الصيد كأن قتل حمامة وغزالاً فهذه أنفس متعددة كل واحدة منها عليه كفارة، لا تتداخل، فإذا صاد حمامة عليه شاة، وإذا صاد نعامة عليه بدنة، فلا يقال: إنها تتداخل؛ لأنها مختلفة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن كفر عن الأول قبل فعل الثاني سقط حكم ما كفر عنه].
إذا تطيب ثم كفر فأطعم ستة مساكين، ثم تطيب مرة أخرى، فيجيب عليه فدية أخرى، لكن إذا لم يكفر عن الأولى تداخلت الكفارة، أما إذا تطيب ثم كفر، ثم تطيب فعليه فدية ثانية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن فعل محظوراً من أجناس فلكل واحد كفارة].
إذا كان المحظور من أجناس مختلفة، فكل واحد كفارة، فمثلاً: تطيب، وغطى رأسه، وحلق شعره، وقلم أظفاره، ولبس المخيط، فعليه كفارة متعددة، كل فعل له كفارة؛ لأنها أجناس مختلفة، خمس كفارات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والحلق والتقليم والوطء وقتل الصيد يستوي عمده وسهوه].
والحلق والتقليم والوطء والصيد هذه الأربعة لا يعذر فيها الناسي ولا الجاهل، إذا حلق أو قلم أظفاره أو وطئ أو قتل الصيد فإنه لا يعذر في هذا سواء كان ناسياً أو جاهلاً أو عامداً فعليه كفارة، بخلاف الطيب وتغطية الرأس، ولبس المخيط، فهذه يعذر فيها الجاهل والناسي هذا المذهب، والتعليل قالوا: لأن هذا فيه إتلاف، والإتلاف يستوي فيه العمد والجهل والنسيان.
فالشعر فيه إتلاف، وتقليم الأظفار فيه إتلاف، والصيد فيه إتلاف، فلا يعذر الجاهل ولا الناسي ولا العامد.
أما ما ليس فيه إتلاف كالطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس، فهذا إن كان متعمداً فعليه الفدية وإن كان جاهلاً ناسياً فإنه يعذر.
القول الثاني: أنه لا فرق بين ما فيه إتلاف وما ليس فيه إتلاف، وأنه إذا فعلها ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، وهذا هو الصواب.
والقول الثاني لأهل العلم أنه لا فرق في ذلك حتى الصيد، وعند الجمهور أن الصيد لا يعذر فيه الناسي، ولا الجاهل، وأما قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة:٩٥]، قالوا: هذا فيه جزاء الصيد المتعمد في القرآن، وثبت في السنة أيضاً أن على غير المتعمد الكفارة، والصواب: أن الناسي والجاهل معفو عنهم، ولا فرق بين ما فيه إتلاف، وما ليس فيه إتلاف.
أما المذهب فيفرق بأن ما فيه إتلاف فلا يعذر فيه الناسي والجاهل، وما ليس فيه إتلاف فيعذر فيه الناسي والجاهل، ولا فدية عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسائر المحظورات لا شيء في سهوه].
يعني: غير ما سبق مما ليس فيه إتلاف، مثل: الطيب، وتغطية الرأس، ولبس المخيط.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إلا فدية الأذى فإنه يفرقها في الموضع الذي حلق به].
أي: إذا كان عليه هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم، والمراد بمساكين الحرم: من وجد في مكة من الفقراء الذين لهم أخذ الزكاة، سواء كانوا من أهل البلد أو من غيرهم، حتى ولو من الحجاج القادمين، فمن كان في مكة وهو مستحق للزكاة فإنه يعطى.
قوله: (إلا فدية الأذى) وذلك إذا كان في الطريق وهو محرم -قبل أن يصل إلى مكة- احتاج إلى حلق رأسه أو إلى تغطية رأسه؛ لأن الوقت بارد، يغطي رأسه ويدفع الفدية في مكانه، ولا يجوز أن يخرجها في مكة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهدي المحصر ينحره في موضعه].
أي: إذا منع من دخول مكة فإنه يذبح في مكانه؛ لأنه لا يستطيع إيصاله، إلا إذا سمح له أن يدخل إلى مكة ويذبح فيها فلا بأس، فيذبحه في مكانه ثم يتحلل في المكان الذي أحصر فيه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الصيام فيجزئه بكل مكان].
إذا قيل: عليه صيام فإنه يجزئ في مكة وفي غيرها؛ لأنه لا ينتفع منه أحد، بخلاف الهدي أو الإطعام فإنه يكون في الحرم؛ لأن المراد نفع مساكين الحرم.
أما الصيام إذا وجب عليه الصيام فيصوم في أي مكان، أو في الطريق، أو في أي بلده؛ لأنه لا ينتفع منه أحد.
فإذا منع المحرم عن البيت لابد أن يذبح ويتحلل قبل أن يلبس ثيابه.
وإذا لبس ثياباً غير لبس الإحرام لئلا يمنع وهو محرم في قلبه فإن عليه فدية؛ لأنه متعمد.