[صفة الطواف]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيضطبع برادئه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر] والاضطباع يكون في طواف القدوم، وهو أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، فيكون كتفه الأيمن مكشوفاً، فهذا سنة في جميع السبعة الأشواط، وهو أول طواف يقدم به مكة، فيسن فيه الاضطباع سواء كان طواف العمرة أو طواف القدوم.
والسنة الثانية في هذا الطواف: الرمل، ومعناه: الإسراع في المشي مع مقاربة الخطا، لكن الرمل لا يكون إلا في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، وأما الأربعة الأخيرة فلا يرمل، وإنما يمشي مشياً، فهما سنتان في أول طواف يقدم به مكة لحج أو لعمرة.
وما عدا الطواف الأول فلا تشرع هاتان السنتان، لا في طواف الإفاضة، ولا في طواف الوداع، ولا في طواف التطوع، فلا اضطباع ولا رمل.
وبعض الحجاج تجده يضطبع من أول ما يحرم حتى يحل إحرامه، وهذا غلط؛ لأن هذا الفعل فيه إضاعة للسنة، فتجده في عرفة مضطبعاً كاشفاً للكتف، وفي منى مضطبعاً، وفي السعي مضطبعاً، وفي جميع أحواله حتى يحل إحرامه! وهذا من جهلهم! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله ويقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم].
أول ما يبدأ بالطواف يبدأ بالحجر الأسود فيمسحه بيده اليمنى ويقبله بشفتيه ويقول: باسم الله والله أكبر، هذا مستحب.
فالاستلام هو المسح، والتقبيل: التكبير، فلو ترك فلا حرج، لكن هذا مستحب، فيستلمه ويقبله، فإن شق عليه التقبيل من الزحام استلمه بيده وقبل يده، فإن شق عليه استلمه بعصا وقبله، فإن شق عليه أشار إليه بيده وكبر.
ويقول في بداية الطواف: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مستحب، فالاستلام والتقبيل والتكبير والدعاء كلها أمور مستحبة، ولو تركها فلا حرج.
والطواف له شروط فمن شروطه أولاً: النية، ينوي بقلبه أن هذا طواف القدوم، أو هذا طواف العمرة، أو طواف الحج، لا بد من النية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فلو لم ينو ما صح الطواف، ولا يتلفظ بالنية كما يفعله بعض الناس من التلفظ بالنية من قولهم: اللهم إني نويت أن أطوف بالبيت سبعة أشواط طواف القدوم أو طواف العمرة أو طواف الوداع، التلفظ هذا بدعة ليس له أصل، وإنما النية محلها القلب، فينوي أن هذا طواف القدوم، وهذه النية لا بد منها فهي شرط، فإن لم ينو لم يصح الطواف.
الشرط الثاني: أن يكون مستور العورة، فإن كان مكشوف العورة لم يصح الطواف.
الشرط الثالث: أن يكون متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر.
الشرط الرابع: أن يجعل البيت عن يساره فإن جعله عن يمينه لم يصح.
الشرط الخامس: أن يوالي بين الأشواط السبعة، فإن فصلها لم يصح إلا بفاصل يسير كما لو أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يواصل من حيث وقف.
الشرط السادس: أن يطوف من وراء الحجر، فإن دخل بين الحجر وبين الكعبة لم يصح الطواف.
الشرط السابع: أن يستوعب الأشواط السبعة كلها، فإن ترك ولو شيئاً يسيراً منها لم يصح.
الشرط الثامن: ألا يطوف على الشذروان وهو ما فضل عن جدار الكعبة.
هذه كلها شروط لا بد منها ولا يصح الطواف إلا بها.
وما عدا ذلك فهو: إما سنن أقوال وإما سنن أفعال.
فسنن الأفعال: مثل استلام الحجر وتقبيله، والاضطباع، والرمل، كل هذه سنن.
وسنن الأقوال: مثل التكبير، وكذلك الإشارة إلى الحجر الأسود في كل مرة مع التكبير، وقول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، والقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١]، والذكر أثناء الطواف أو تلاوة شيء من القرآن، كل هذا مستحب، المهم الإتيان بهذه الشروط الثمانية، فإن أتى بهذه الشروط صح الطواف وإلا لم يصح، ولو طاف الأشواط السبعة وهو ساكت لم يتكلم صح طوافه، لأن الأذكار مستحبة، ولو لم يضطبع أو لم يشر أو لم يرمل، صح، المهم الإتيان بهذه الشروط.
وهناك بعض الناس قد يكون معه نساء فيستدبر الكعبة من أجل الحفاظ على النساء في الزحام، وهذا لا يجوز، لا بد أن يجعل البيت عن يساره؛ لأن هذا شرط، فإذا استدبرها يرجع في الجزء الذي استدبره، فإن لم يرجع لم يصح الطواف، ولا يجوز أن يستدبر الكعبة، فيرجع إلى المكان الذي استدبر الكعبة فيه.
وأما بالنسبة للإشارة والتكبير فيشير بيده ويكبر وهو ماش ولا يحتاج أن يقف مثلما يفعل بعض الجهال، يقف على الخط، ويكبر عشر تكبيرات أو عشرين تكبيرة فيحبس الناس ويؤذيهم! وأما بالنسبة للرمل فهذا حصل في عمرة القضاء، أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يرملوا من الحجر الأسود إلى أن يصلوا الركن اليماني، فإذا وصلوا مشوا؛ وذلك لأن كفار قريش كانوا من جهة الحجر يرونهم، فإذا جاءوا إلى الركن اليماني اختفوا عنهم، فأمرهم النبي أن يمشوا ما بين الركنين حتى لا يشقوا على أنفسهم؛ وذلك لأن كفار قريش قالوا: يقدم عليكم محمد وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يروا من أنفسهم القوة، فنظروا إليهم وهم يرملون فقالوا: انظروا إليهم ينقزون نقز الغزلان، ثم بعد ذلك في حجة الوداع أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا من الحجر إلى الحجر، واستقرت السنة في أن الرمل يكون في جميع الأشواط حتى ما بين الركنين.
كذلك إذا سقط عنه الإزار فإذا أخذه بسرعة وستر عورته يعيد الشوط، وإذا طال الفصل وهو مكشوف العورة فإنه يعيد الطواف من جديد.
أما الوضوء للطواف فقد جاء اشتراط الطهارة في الطواف من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه).
والأحناف يرون أنه واجب، وبعضهم يرى أنه سنة، ويميل إلى هذا شيخ الإسلام رحمه الله، لكن المعتمد الآن أنه شرط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، وطاف بالبيت على طهارة، وقال: (خذوا عني مناسككم) وقال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه)، وإن كان فيه كلام عن ابن عباس في رفعه ووقفه، ولذلك إذا انتقض وضوءه فإنه يذهب يتوضأ ويعيد الطواف من جديد كما لو أحدث في الصلاة فإنه يتوضأ ويعيد الصلاة من جديد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره فيطوف سبعاً].
وهذا شرط يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره.
وقوله: (سبعاً) هذا شرط، أن يستوعب سبعة أشواط.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر] هذا الرمل سنة، والرمل: هو إسراع المشي مع مقاربة الخطا، وإذا دار الأمر بين أن يقرب من الكعبة ولا يرمل، أو يبعد من الكعبة ويرمل، فأيهما يقدم؟! إذا كان بعيداً عن الكعبة استطاع أن يرمل، وإذا قرب ما استطاع، فأيهما يقدم؟! أن يقرب من الكعبة ولا يرمل أو يبعد من الكعبة ويرمل؟! الصواب: أنه يبعد ويرمل؛ لأن الرمل سنة تتعلق بالطواف أي: بذات العبادة، والقرب من الكعبة سنة تتعلق بمكان العبادة، والمحافظة على سنة تتعلق بذات العبادة مقدمة على المحافظة على ما يتعلق بمكان العبادة.
فالقاعدة تقول: المحافظة على سنة تتعلق بذات العبادة مقدم على المحافظة على سنة تتعلق بمكان العبادة.
[يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر].
هذه السنة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع وفي عمرة القضاء أن يرملوا إلا ما بين الركنين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويمشي في الأربعة الأخرى، وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل].
قوله: (استلمهما) يعني: المسح باليد اليمنى.
قوله: (وكبر) قال: الله أكبر.
أما التهليل فلا أذكر في هذا سنة؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في طوافه، قال نافع: وكان ابن عمر يفعله).
وروى البخاري عن ابن عباس قال: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الركن أشار إليه وكبر).
فلا يوجد تهليل في هذه الأحاديث، فالسنة أنه يستلمه ويكبر، فإذا لم يستلمه بيده يستلمه بعصا ويكبر، وإذا لم يتمكن يشير إليه إشارة ويكبر.
والركن اليماني يستلمه ويكبر إذا أمكن، وإذا لم يمكن فلا يكبر على الصحيح.
والرواية الأخرى: أنه يكبر، والصواب: أنه لا يكبر إلا إذا استلم الركن اليماني، وإذا لم يستلمه مشى وتركه، فهذا هو الصواب.
أما الحجر فإنه يستلمه ويكبر، فإن لم يتمكن من استلامه أشار إليه وكبر، فهذا خاص بالحج على الصحيح.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقول بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١]].
وهذا مستحب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويدعو في سائره بما أحب].
وكل هذا من المستحبات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يصلي ركعتين خلف المقام].
هذا هو السنة، إذا انتهى صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، يقرأ فيهما الفاتحة في الأولى وبعدها سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١]، والركعة الثانية: يقرأ الفاتحة وسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، فسورة الكافرون والإخلاص شعار بأن الإنسان إنما يطوف بالكعبة امتثالاً لأمر الله، فهو يعبد الله ولا يعبد الكعبة ولا غيرها، وإذا نسي الركعتين فلا حرج لأنهما مستحبتان.
وأما السترة في مكة فلا يوجد دليل على تخصيص مكة، ولهذا بوب البخاري في الصحيح فقال: باب: السترة بمكة وغيرها، فلا يوجد دليل