[اشتراط المحرم للمرأة في الحج]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويعتبر للمرأة وجود محرمها، وهو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح].
ويشترط لوجوبه على المرأة وجود المحرم، والمحرم: هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد، كأبيها وابنها وأخيها، وابن أخيها وابن أختها وعمها وخالها، أو سبب مباح كالرضاع، كأبيها من الرضاع، وأخيها من الرضاع، وابن أخيها من الرضاع، وابن أختها من الرضاع، وعمها من الرضاع، وخالها من الرضاع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، أو بالصهر، كزوج أمها أو زوج ابنتها، هؤلاء كلهم محارم.
ولو حجت المرأة بدون محرم صح الحج مع الإثم؛ لأن هذا شرط للوجوب لا للصحة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس وحث على الحج (قام رجل فقال: يا رسول الله! إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي خرجت حاجة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انطلق فحج مع امرأتك)، ترك الغزو وذهب إلى مرافقة امرأته في الحج؛ مما يدل على أهمية المحرم، كتب في الغزو ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (انطلق فحج مع امرأتك) فهذا يدل على أن أمر المحرم أمر عظيم، يترك من أجله الغزو لأجل مرافقة المرأة، وهؤلاء النسوة الآن لا يبالين، ويستقبل كثير من الناس خادمات بدون محارم! وإذا كان الحج وهو فريضة الله على عباده لا تحج المرأة إلا بمحرم فكيف تأتي هذه المرأة بدون محرم وتسافر مسافة طويلة، وبعض الناس يستخدمونها ويعينونها على الباطل لأنها بدون محرم؟! ولهذا كثرت أسباب الشر والفساد: فهؤلاء الخادمات اللائي يأتين بدون محارم انتشرن في البيوت؛ فحصل بهن شر وفساد، ونسمع أشياء يندى لها الجبين، وتدمي القلب من الفواحش والمنكرات، تأتي الخادمة ولا تبالي، فتكون متكشفة ومتبرجة وثيابها قصيرة، ويخلو بها صاحب البيت أو أولاده! وهذا من البلاء والمصائب! وكذلك أيضاً الخادم قائد السيارة: يظهر على النساء وهن كاشفات، ويذهب بالمرأة وحدها ويخلو بها في السيارة وفي البيت، وهذا من أسباب الشر والفساد؛ ولهذا كثر الفساد، وكثر الإمساك من كثير من الناس، وقل الإحسان ولا حول ولا قوة إلا بالله! كثر الشر والفساد، وكثر اللقطاء! وكم سمعنا من يقول: إنه ولد له ولد يشبه السائق أو الخادم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهناك من يشتكي يقول: إن له بنات حملن وهن ليس لهن أزواج، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ كل هذا بسبب التساهل في أمر الله عز وجل، وعدم الاستجابة لله ورسوله في استصحاب المحرم، والخلوة المحرمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).
وقد يبتلينا الله بالمصائب بسبب هذه المنكرات، والله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠]، لا شك أن الأوبئة والأمراض وما يحصل على الناس من النقص في الأموال والأنفس كل هذا الابتلاء والامتحان من آثار المعاصي والذنوب، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠]، فلابد لكل إنسان أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرجع إليه، وأن يصلح من حاله، وأن يتوب إلى الله عز وجل مما فرط منه، فالله تعالى يؤدب العباد ويمتحنهم ليعودوا إليه قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:٤١] (بعض) ولو أذاقهم جميع ما عملوا لهلكوا {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١] يعني: لكي يرجعوا، و (لعل) للتعليل، وليست للترجي: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١].
ولا شك أن الله تعالى قد أوصى عباده وأمرهم بذلك، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١٠٤] فلابد من التواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والتعاون في الأمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر قبل أن تحل العقوبات والمصائب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده).
فلابد من إنكار المنكر، والإنكار على من يتساهل بالخادمات، فيترك الخادمة متبرجة، أو تختلط بالرجال، أو يخلو بها وحدها، فهذا منكر، والآن لا ينكر كثير من الناس ولا يبالي، تأتي الخادمة متكشفة تفتح الباب، وتركب مع كفيلها أو مع أحد أولاده، ولا أحد ينكر هذا، تكون متبرجة ويذهب بها ولا أحد ينكر، هذا أصبح شيئاً عادياً ولا حول ولا قوة إلا بالله! وقد كان الناس سابقاً لو رأوا رجلاً مع امرأة أنكروا هذا واستعظموه، وهذه امرأة أجنبية ما أحد ينكر، تفتح الباب متكشفة وكأنها من محارمه، وكأن هذا شيء مشروع أو مباح! ومن المصائب والبلايا العظيمة: أن كثيراً من المستقدمات خصوصاً الأندنوسيات يستخدمن السحر مع الكفلاء حتى إن بعض المستخدمين لهن يكرمونهن ويحسنون إليهن، ويعطونهن الرواتب من أول الشهر، ومع ذلك إذا دامت لابد أن تعمل سحراً في الغالب؛ لأن السحر منتشر عندهن، أما الذي يؤذيهن أو ينقص من حقهن، فهذا لا شك أنهن ينتقمن منه، فهذا من الآثار السيئة، ومن أسباب الذنوب والمعاصي.
وبعض الناس الآن يأتي بخادم أو بخادمة وهو ليس بحاجة إليه، ولكن من باب التباهي، يريد أن يكون مثل الناس، حتى إن بعضهم يستدين ويأتي بخادم وخادمة، يقول: فلان عنده خادم، وأنا ما عندي خادم! فصارت المسألة مباهاة ومفاخرة.
ينبغي للإنسان أن يقلل من الخدم والخادمات يعني: ما يأتي بالخادم والخادمة إلا إذا احتاج أو في الضرورة القصوى التي لابد منها، وإذا احتاج إلى من يخدمه يتعامل مع أناس من البلد، فتأتي المرأة صباحاً ومساءً -إما امرأة أو رجل- وتقوم بحوائج البيت في الصباح وتذهب إلى أهلها وأولادها، أو تأتي في يوم معين فيكون هذا أحسن من جلب الخدم والخادمات، ويوجد الآن في جنوب البلد أناس يحتاجون إلى المال، فلعلهم يخدمون في وقت من الأوقات وفي يوم من الأيام أو في طرفي النهار، ويعطيها من الأجرة ما تستعين به على النفقة على أولادها، وهذا أحسن من كونه يجلب خادمة؛ لأنهم لهم متاعب ومشاكل، ولهم آثار سيئة، وكلما أمكن التغيير فهو مطلوب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة].
إذا فرط الإنسان فلم يحج وهو يستطيع الحج، فمثل هذا الحج دين في ذمته، يخرج من ماله قبل قسمة التركة ويحج عنه، كما أنه إذا لم يؤد الزكاة فتخرج من تركته، فديون الله وديون الآدميين تخرج قبل قسمة التركة.