للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم النطق بالإحرام]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يستحب أن ينطق بما أحرم به، ويشترط ويقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني؛ فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني].

هذا الكلام يشتمل على مسألتين: المسألة الأولى: استحباب النطق بالنية.

المسألة الثانية: الإحصار، أما المسألة الأولى فأن يقول: اللهم إني أريد الحج فيسره لي، اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي.

وإلى هذا ذهب كثير من الفقهاء الحنابلة والشافعية والمالكية وغيرهم، قالوا: يستحب أن ينطق بالنية ويتلفظ بها، فيقول: اللهم إني نويت نسك كذا، اللهم إني أريد الحج فيسره لي، اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي.

وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنه لا يستحب النطق بالنية بل إنه بدعة؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلفظ بالنية لا في الحج ولا في غيره، فلا يجوز أن يقول: نويت أن أصلي الظهر خلف هذا الإمام أربع ركعات، أو نويت أن أصوم هذا اليوم من رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أو نويت الحج حج الفريضة، وغيره.

قال ابن تيمية رحمه الله: إن هذا بدعة وليس عليه دليل، ولكن يذكر نسكه في التلبية بقوله: لبيك عمرة وحجاً، أو لبيك حجاً، أو لبيك عمرة، فيذكر نسكه في تلبيته، فيقول: اللهم إني نويت الحج.

والفقهاء المتأخرون يقولون: يستحب أن ينطق بالنية حتى يتواطأ القلب واللسان، حتى في الصلاة، والحنابلة وغيرهم يقولون: يستحب أن ينطق بما نواه، وهذا الاستحباب لا دليل عليه.

وقوله رحمه الله: (ويشترط ويقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني).

مفهوم كلام المؤلف: أن كل أحد -حاج أو معتمر- يستحب له أن يشترط، والقول الثاني: أنه لا يشترط إلا من كان خائفاً، فليس كل أحد يشرع له الاشتراط، فمن اشترط وهو ليس بخائف فلم ينفعه اشتراطه، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولا أمر الصحابة أن يشترطوا، لكن فعلته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عمه فقالت: (يا رسول الله! إني أريد الحج وأنا شاكية -يعني: مريضة- فقال: حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما اشترطت).

فدل هذا على أن الاشتراط إنما هو لمن كان خائفاً، كأن يكون مريضاً، أو يخشى من يصده عن البيت فيفشل، وفي هذه الحالة يتحلل ولا شيء عليه، أما إذا لم يكن خائفاً فإنه يحسن الظن بالله فلا يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ولا الصحابة ولا أمرهم بالاشتراط.

ولو قال قائل: إن الاشتراط في هذه الأيام مع كثرة الحوادث مستحب، لقلنا: لا؛ لأن الحوادث كثيرة حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فرجل سقط عن راحلته وهو واقف بعرفة، هذا حادث من الحوادث.