[حكم من جحد الصلاة وحكم تأخير الصلاة عن وقتها]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر].
وهذا بالإجماع أن من جحد الصلاة عناداً فقد كفر بإجماع المسلمين، أما إذا كان جاهلاً فيُعلَّم، ومثل له أهل العلم بمن أسلم في بلاد بعيدة، أو في بادية بعيدة بأن نطق بالشهادتين، وأنكر وجوب الصلاة وهو لا يعلم، فإنه يعرف؛ لأنه معذور لا يعلم بأن الصلاة واجبة، وأنها فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، فإذا عرف بذلك وأصر على تركها حكم بكفره بعد ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: [ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها إلا لناوٍ جمعهان أو مشتغل بشرطها].
فليس له أن يؤخرها عن وقتها إلا إذا نوى الجمع، كالمريض أو المسافر، فالمسافر يرخص له في صلاة الظهر والعصر أن ينوي جمعهما مع بعض، وكذلك المريض لكن المسافر يقصر الرباعية، والمريض لا يقصر، وهذا يغلط فيه بعض الناس حيث يظنون أن المريض إذا جمع يقصر، وليس كذلك، بل المريض يجمع، ويتم الصلاة، فيجمع الظهر مع العصر أربعاً، ويصلي الظهر أربعاً والعصر أربعاً، وكذلك إذا كان مشتغلاً بشرطها مثل أن يتطهر ويتوضأ فخرج الوقت بدون اختياره، أو مثلاً: كان يخيط ثوبه، كأن يكون عارياً ولا يوجد له ثوب غيره، فيخيط الثوب مشتغلاً بالشرط؛ لأن ستر العورة شرط من شروط الصلاة، فهذا لا بأس به، أما لغير عذر فلا يجوز التأخير.
وكذلك الناسي والنائم حتى يستقيظ، وحتى يتذكر.
أما إذا أخرها بدون عذر فقد اختلف العلماء إذا أخرها وليس ناسياً ولا جاهلاً ولا مشتغلاً بشرطها ولا متأولاً فقال بعض أهل العلم: أنه يكفر ويكون مرتداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله).
وقال آخرون: أنه لا يكون مرتداً، ولكن جريمته أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه والمرابي، نسأل الله السلامة والعافية.
ولم يجد ثوباً فإنه يصلي، ولكن قال أهل العلم: له أن يصلي جالساً.
وظاهر كلام المصنف أنه إذا كان مشتغلاً بشرطها ففي هذه الحالة يؤديها ولو تأخر، كأن ينشغل باستخراج الماء من البئر، فيتوضأ ولو في آخر الوقت.
وإذا قدم الطعام فالأصل أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، لكن إذا قدم الطعام فهذا عذر في ترك الجماعة إذا كان هذا يشوش ذهنه فيأخذ ما يكفيه؛ حتى يقبل على الصلاة، ولا يؤديها وهو منشغل بالطعام، لكن إذا كان الوقت سيخرج فيصلي.
أما تأخير الصلاة في الفريضة متعمداً حتى يخرج وقتها، فقد أفتى جمع من أهل العلم بأنه يكون مرتداً، وهذا ما أفتى به سماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه، بأن الذي اعتاد أن يؤخر الصلاة فلا يصلي الفجر إلا بعد الشمس فإنه مرتد.
وقال آخرون: لا يكون مرتداً إذا صلاها، لكن يكون كفره كفراً أصغر، وتكون جريمته أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه، وحجة من قال بكفره: حديث البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاة العصر فقط حبط عمله)، والذي يحبط عمله هو الكافر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله).
ولا يجمع إلا من كان له عذر كالمريض المسافر، وليس كل من له عمل، فإن هذا فتح لهذا الباب ولاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الأعمال، ولو فتح الباب فإن كل النساء ستجمع، وكذلك أيضاً الخباز الذي يقول: إنه يشتغل أربعاً وعشرين ساعة في المخبز، والذي في المناجم، والذي في المعامل، فهذا فتح لباب الأعمال.