[أحكام تتعلق بالصلح]
قال المؤلف رحمه الله: [باب الصلح.
ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء].
أي: ومن صالح على إسقاط بعض دينه فلا بأس، فلو كان له دين عند شخص قدره مائة ألف، وتأخر في وفاء الدين، فقال له صاحب الدين: أعطني ثمانين أو سبعين، فهذا لا بأس بشرط ألا يقول المدين: أنا لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت سبعين، فإذا اشترط عليه لا يصح.
ومن صالح على إسقاط بعض دينه فلا بأس كأن يكون له دين عند شخص مقداره مائة ألف، وتأخر الآخر في وفاء الدين فقال: أعطني ثمانين وأسقط عنك عشرين، أو أعطني سبعين، فهذا لا بأس به، بشرط ألا يقول المدين: أنا لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت السبعين، فإذا اشترط عليه فلا يصح كما لو طالبته بالمائة فقال: لا أعطيك المائة إلا إذا أسقطت ثلاثين؛ لأنه قد جعله شرطاً، وإذا جعله شرطاً لا يصح إلا إذا أسقطه باختياره، نظراً لكون المدين فقيراً مثلاً، أو لأنه مماطل ولا يريد أن يشتكيه فإذا كان هذا الإسقاط من قبل الغريم لا من قبل المدين فلا بأس به، وأما إذا كان شرطاً فلا، وكذلك أيضاً إذا كان في يده عين كسيارة مثلاً أو غيرها وقال: أعطني هذه العين، فقال: لا أعطيك إياها إلا إذا أعطيتني ربعها، فهذا شرط، وليس له ذلك، أو مثلاً أخذ منه نوعاً من الطعام، كأن يكون له مائة كيلو من التمر فقال: لا أعطيك المائة حتى تعطيني بعضه، فلا يجوز؛ لأنه جعله شرطاً، ولا يصح إلا إذا أسقطه هو كأن يقول له: أعطني العين الذي في يدك ولك جزء منها، فلا بأس ما لم يجعله المدين شرطاً.
قال المؤلف رحمه الله: [ومن أسقط بعض دينه أو وهب غريمه بعض العين التي في يده جاز، ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك].
فإذا جعله شرطاً أو منعه إلا بهذا فلا يصح.
قال: [أو يمنعه حقه إلا بذلك، أو يضع بعض المؤجل ليعجل له الباقي].
فإذا كانا قد اتفقا على هذا فلا بأس ويسمى: ضع وتعجل فإذا كان له مائة ألف ديناً على شخص تحل في ذي الحجة ونحن في محرم، فقال له: أنا محتاج الآن، وديني لا يحل إلا في ذي الحجة، ولكن إن شئت تعجل الدين وأسقط عنك البعض فبدلاً من أن تسلم المائة الألف في ذي الحجة فعجلها لي الآن وأسقط عنك ثلاثين أو أربعين وأعطني ستين وضع وتعجل عكس الربا، وليس مثله.
وقوله: (أو يضع بعض المؤجل ليعجل له الباقي).
يعني: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين حالة لم يجز؛ لأنه ربا وهو بيع بعض ماله ببعض، ولأن بيع الحلول غير جائز.
والمعروف أن هذا جائز وهو مسألة: ضع وتعجل وأنه ضد الربا.
والجمهور على: أنه لا يجوز؛ لأنه بيع دراهم مؤجلة بدراهم معجلة أقل منها وقال بعض العلماء: إنه لا بأس بذلك؛ لأنه تنازل مقابل تنازل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد إجلاء بني النضير وعليهم ديون للناس قال لهم: (ضعوا وتعجلوا) فالصواب أنه ليس ربا بل هو عكس الربا.