[حكم عطية المريض]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: عطية المريض.
تبرعات المريض مرض الموت المخوف، ومن هو في الخوف كالواقف بين الصفين عند التقاء القتال، ومن قدم ليقتل، وراكب البحر حال هيجانه، ومن وقع الطاعون ببلده إذا اتصل بهم الموت حكمها حكم وصيته في ستة أحكام: أحدها: أنها لا تجوز لأجنبي بزيادة على الثلث] يعني: أن المريض مرضاً مخوفاً ومن في حكمه عطيته حكمها حكم الوصية لا تجوز إلا بالثلث.
والمرض نوعان: مرض غير مخوف، ومرض مخوف، فالمرض غير المخوف لصاحبه كافة التصرفات في جميع ماله، أما المرض المخوف وما في حكمه فحكم العطية فيه حكم الوصية.
ومثل المصنف رحمه الله، لمن في حكم المريض مرضاً مخوفاً بمن وقف في الصف عند التحام القتال، ومن ركب البحر عند هيجانه، ومن قدم للقتل، كل هؤلاء لا يتبرعون إلا بالثلث.
وكذلك من كان مرضه السرطان -والعياذ بالله- إذا كانت ظاهرة خطورته، فهذا يعتبر مرضاً مخوفاً، فحكم تبرع صاحبه حكم الوصية لا تجوز إلا في الثلث.
أما إذا كان مرضاً عادياً ليس بمخوف فللمريض أن يتصرف في جميع ماله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة].
أي: أن الوارث لا يتبرَّع له بشيء مطلقاً، إلا إذا أذن الورثة عن رضا وطواعية فلا بأس بذلك.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [لما روي (أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثاً، فأعتق اثنين وأرق أربعة)].
هذا دليل على أنه لا ينفذ تبرعه إلا في الثلث، حيث أنفذ النبي صلى الله عليه وسلم العتق في اثنين -وهما الثلث- ورد الأربعة إلى الدار.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثاني: أن الحرية تجمع في بعض العبيد بالقرعة إذا لم يف الثلث بالجميع للخبر].
إذا أعتق مثلاً ستة أعبد وليس له غيرهم فلا ينفذ إلا الثلث، لكن لو كان عنده ثمانية عشر عبداً وأعتق ستة قال: هؤلاء الستة عبيد ينفذ؛ لأنهم الثلث، لكن إذا أعتق ستة وليس له غيرهم، نقول: ليس لك إلا اثنان، اثنان تنفذ فيهم الوصية ويعتقان، وأربعة يعودون إلى الرق ونعرف ذلك بالقرعة، نأتي بالستة ونعيد القرعة فالذي تقع عليه القرعة يكون هو الذي ينفذ فيه العتق، والباقي يكونون أرقاء.
قال: [الثالث: أنه إذا أعتق عبداً غير معين أو معيناً فأشكل أخرج بالقرعة].
كذلك إذا قال: عنده مائة عبد، وقال: واحد من عبيدي حر.
قال: [الرابع: أنه يعتبر خروجها من الثلث حال الموت].
العبرة بحال الموت فلو قال: ستة من عبيدي أحرار، وليس له مال غيرهم -يعني: بعد موته- لكن بعد ذلك عاش سنين، ثم بلغ ثمانية عشر عبداً، نقول: إذاً: يعتقون الآن، لكن لما كان عنده ستة فقط فإنهم لا ينفذون، فلا تأخرت وفاته وملك زيادة من المال وخرج من الثلث فإنه ينفذ، فالعبرة بوقت الوفاة، ولا يعتبر ثلث ماله إلا عند الوفاة.
قال: [فلو أعتق عبداً لا مال له سواه أو تبرع به، ثم ملك عند الموت ضعف قيمته تبينا أنه عتق كله حين إعتاقه، وكان ما كتبه بعد ذلك له، وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء].
لأن الدين مقدم.
قال: [ولا يصح تبرعه به، ولو وصى له بشيء فلم يأخذه الموصى له زماناً قوم عليه وقت الموت لا وقت الأخذ].
لو أوصى لشخص وصية في حال الحياة، لكن لم يأخذها إلا بعد الموت يكون حكمه حكم الثلث ثابت.
قال: [الخامس: أن كونه وارثاً يعتبر حالة الموت فيهما فلو أعطى أخاه أو وصى له ولا له ولد فولد له ابن صحت العطية والوصية].
لأنه لا بأس به في هذه الحالة، إذ لا يوجد الابن، فلو وصى لأخيه قبل أن يوجد له أولاد، نقول: هذه الوصية لا تصح الآن في حال الحياة، لكن قبل أن يتوفى رزق بابن نقول: صحت الوصية؛ لأن الأخ أصبح غير وارث، فالعبرة بوقت الموت.
قال: [ولو كان له ابن فمات بطلت].
لو كان له ابن عندما وصى له، ثم مات يرث الأخ وتبطل الوصية، يعني: العبرة بحال الموت.
قال: [السادس: أنه لا يعتبر رد الورثة وإجازتهم إلا بعد الموت فيهما].
يعني: إذا أوصى بأكثر من ثلث ماله، فالورثة ليس لهم رد ولا إذن إلا بعد وفاته.