[أعمال يوم النحر]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا بلغ محسراً أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى، فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف].
هذه هي السنة، أن يبدأ برمي جمرة العقبة، وهي تحية لمنى، وهي بمثابة صلاة العيد لأهل الأمصار، الحجاج ليس عليهم صلاة عيد، فرمي جمرة العقبة تنوب عن صلاة العيد، ويقطع التلبية إذا بدأ في الرمي.
وجمرة العقبة هي آخر الجمار من جهة منى، فأول ما يليها الجمرة الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، وهي أول الجمرات من جهة مكة، وهي حد منى وليست من منى.
قوله: (كحصى الخذْف)، حصى الخذْف التي تكون بين الأصابع، وهي الحصى الصغيرة التي يخذفها بين أصابعه.
فيرمي بسبع حصيات متعاقبات، وقد مر بنا في درس التوحيد في حديث: (إياكم والغلو! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) أن سببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن عباس! هلم القط لي حصيات، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تلقط له الحصيات وهو في الطريق من مزدلفة إلى منى، وإذا التقطها من مزدلفة أو من منى فلا حرج.
وما يفعله بعض الناس يلقط الحصيات قبل الصلاة إذا وصل إلى مزدلفة لا أصل له، الصلاة أول شيء، والفقهاء يقولون: يأخذ من منى سبعين حصاة، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تلقط له سبع حصيات في الطريق وهو ماشٍ بالطريق، فلقط له ابن عباس حصيات، حيث قال: (فالتقطت له حصيات مثل حصى الخذف) يعني: أكبر من الحمص قليلاً، مثل بعر الغنم، أو حبة الفول، فلما وضعها النبي صلى الله عليه وسلم في يده قال: (نعم بأمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) يعني: لا تغلو فتأتوا بالحجارة الكبار وترمونها بناءً على أنها أبلغ من الصغار؛ فهذا من الغلو، والحديث عام.
ومثلها أيضاً الرمي بالنعال كما يفعل بعض الجهال، وكذلك أيضاً يشتد بعضهم ويغضب فيشتم! كل هذا من الجهل، فهذه مشاعر لإقامة ذكر الله، قال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، ينبغي للإنسان أن يأتي متواضعاً متخشعاً يرميها ويكبر الله ويذكره، لا أن يأتي غضبان يشتم ويلطم، ويضرب بالحجارة الكبار وبالنعال، كل هذا من الجهل.
وإذا أخذ الحجارة من المرمى -أي: من الجمرة- هل يصح؟ يلقطها من بعيد أحوط، والفقهاء يقولون: لا يرمي بحجر رمي به؛ لأنه استعمل في عبادة، وإن كان هذا ليس عليه دليل، وإنما يقيسونه على الماء المستعمل، والماء المستعمل الصواب فيه أنه لا حرج فيه، لكن الإنسان عليه أن يحتاط فيأخذ الحجارة من بعيد ولا يأخذها من الحوض، وإذا أخذ الحجارة من مكانه فلا بأس، فلا يأخذ من الحوض أو قريب منه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيبتدئ بجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات كحصى الخذف يكبر مع كل حصاة، ويرفع يديه في الرمي].
يقول: الله أكبر الله أكبر يكبر مع كل حصاة ويرفع يده بحيث يكون بعيداً ويرميها مع قوله: الله أكبر الله أكبر سبع حصيات متعاقبات، ولا يرميها دفعة واحدة، فإن رماها دفعة واحدة لم يحسب له إلا حجراً واحداً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقطع التلبية بابتداء الرمي].
هذا هو السنة؛ إذا بدأ في التحلل قطع التلبية، كما أن المعتمر إذا بدأ في الطواف قطع التلبية، والحاج إذا بدأ في الرمي قطع التلبية؛ لأنه شرع في التحلل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقطع التلبية بابتداء الرمي، ويستبطن الوادي، ويستقبل القبلة ولا يقف عندها].
كونه يأتيها من بطن الوادي ويستقبل القبلة فيه نظر؛ لأنه إذا استقبل الوادي لا يستقبل القبلة، وإن رماها من الجهة الأخرى فلا بأس، وسميت جمرة العقبة؛ لأن الطريق كانت ضيقة، ثم أزيل الجبل الآن، وكانت لا ترمى إلا من جهة واحدة، والجهة الثانية كان فيها الجبل، وجاء عن عمر أنه رمى الجمرة من فوق الجبل من الجهة الأخرى، فإذا سقطت في الحوض فلا بأس، فيجزئ من أي جهة، المهم أن تكون الحصاة في الحوض.
لكن الأفضل أن يرمي من بطن الوادي، وإذا استقبل الوادي ظاهره أنه لا يستقبل القبلة، إنما هذا في الجمرة الأولى، والجمرة الثانية يستقبل القبلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستبطن الوادي، ويستقبل القبلة، ولا يقف عندها، ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه].
ينحر هديه إذا كان متمتعاً أو قارناً، أو كان معه هدي ساقه من الحل، فينحره بعد الرمي، أما إذا كان مفرداً فليس عليه نحر، ثم يحلق رأسه بعد النحر ويتحلل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره].
والحلق أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر للمحلقين ثلاثاً) فدعا للمحلقين ثلاثاً، وفي كل مرة يقولون: والمقصرين؟ قال: (اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: والمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين قالوا: والمقصرين؟ قال: والمقصرين) في المرة الرابعة، فدل هذا على أن الحلق أفضل.
والمرأة تقصر قدر رأس أصبع من كل ضفيرة إن كان لها ضفائر وإلا قصرت من أطراف الشعر، وليست من أهل الحلق، إنما هذا الفعل للرجل، وإن قصر الرجل فلا حرج، لكن الحلق أفضل.
وإذا رمى وحلق تحلل التحلل الأول فيلبس ثيابه، والتحلل يكون باثنين: الرمي والحلق، أما النحر فليس من الأمور التي يتحلل بها، والتي يتحلل بها إنما هي الرمي والحلق والطواف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره، ثم قد حل له كل شيء إلا النساء].
حل له كل شيء إلا النساء، حل له الطيب، ولبس الثياب، وقص الأظافر، إلا الزوجة فلا تحل له حتى يطوف ويسعى إن كان عليه سعي.