قال المؤلف رحمه الله تعالى:[والمسافر الذي له القصر].
كذلك المسافر الذي له القصر، وهي مسافة يومين للإبل المحملة، بدبيب الأحمال، ومشي الأقدم، وهي ما يقارب ثمانين كيلو، فإذا كانت هذه المسافة فله الفطر في رمضان، وله قصر الرباعية، وله أيضاً الجمع، وله المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، فيترخص برخص السفر، والمسافر له أحوال: الحالة الأولى: أن يكون السفر يشق معه الصوم، فهذا يكره في حقه الصوم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ليس من البر الصيام في السفر)، وهذا لما رأى رجلاً ظلل عليه، وقد سقط من الصوم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأسفار لما كان بعضهم صائم وبعضهم مفطر فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأخبية، وسقطوا الركاب، وخدموا إخوانهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ذهب المفطرون اليوم بالأجر).
الحالة الثانية: ألا يشق عليه الصوم، كأن يكون الجو بارداً، والسفر مريحاً، فهذا مخير بين الصيام وبين الفطر، واختلف العلماء في أيهم أفضل، فقال بعضهم: الفطر أفضل؛ لأن فيها أخذ برخصة الله، وقال آخرون: الصوم أفضل؛ لأنه أسرع له في براءة الذمة، وأنشط له إذا كان يصوم مع الناس، وقيل: على حد سواء، وذهب طائفة قليلة من أهل العلم إلى أنه لا يصح لو صام مطلقاً في الصوم، والصواب أنه يصح، وهذا قول ضعيف، واختلف العلماء في سفر المعصية هل له أن يفطر؟ أو ليس له أن يفطر، فالجمهور على أنه لا يفطر ولا يترخص، ولا يعان على المعصية.
القول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة: أن له أن يفطر وعليه إثم المعصية، وهذا هو الأقرب، وإذا كان في الجهاد، فإنه يحرم عليه الصوم في وقت قتال العدو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سافر في فتح مكة ونزل منزلاً قال:(إنكم تصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم) ثم لما نزل منزلاً آخر عزم عليهم وقال: (افطروا)، ولما بلغه أن قوماً صاموا قال:(أولئك العصاة! أولئك العصاة!).
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء، وإن صاما أجزأهما].
يجوز لهما الفطر والصيام، والفطر أفضل؛ لأن فيه أخذاً برخصة الله، وإن صام المسافر والمريض أجزأهما، على التفصيل السابق.