[بعض الأحكام المتعلقة بستر العورة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن صلى في ثوب مغصوب، أو دار مغصوبة لم تصح صلاته].
وهذا على المذهب أن من صلى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصح صلاته؛ لأن المغصوب منهي عنه، والغصب منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد فإذا صلى في ثوب مغصوب فهو مثل من صلى في ثوب حرير، أو صلى في ثوب عليه صورة لم تصح صلاته على المذهب، ومثله أيضاً: لو توضأ بماء مغصوب لم تصح الصلاة على المذهب، أو توضأ من البرادة مثلاً فالحكم حكم الغصب لا تصح الصلاة؛ لأن البرادة وضعت للشرب، فإذا توضأ منها فيكون مغتصباً فلا تصح الصلاة، وعليه أن يعيدها.
والقول الثاني: أنها تصح مع الإثم فإذا صلى في ثوب مغصوب، أو ثوبه فيه صورة، أو في ثوب حرير صحت مع الإثم؛ لأن الجهة مختلفة، فله ثواب الصلاة، وعليه إثم الغصب، وإذا توضأ من ماء مغصوب فله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب وهذا هو الصواب من قولي العلماء، أما في المذهب فإنها لا تصح فإذا صلى في ثوب حرير، أو ثوب فيه صورة، أو ثوب مغصوب، أو دار مغصوبة، أو توضأ بمغصوب فلا تصح على المذهب، ومثله لو صلى خلف فاسق فلا تصح الصلاة على المذهب؛ لأنه ما أنكر المنكر، وعليه فتكون صلاته منهياً عنها، والقول الثاني: أنها تصح مع الإثم فله ثواب الصلاة، وعليه إثم عدم الإنكار، وهذا هو الصواب وهذه المسألة معروفة؛ لأن النهي لا يتعلق بذات المنهي، وعليه فإن الصلاة صحيحة، بخلاف ما لو صلى في ثوب نجس، فلا تصح الصلاة بالإجماع؛ لأن هذا النهي يتعلق بذات الصلاة وبخلاف الصلاة في الثوب المغصوب، فإنه منهي عن لبسه سواء في الصلاة أو في خارج الصلاة، والأرض المغصوبة منهي عن غصبها في الصلاة وخارجها، وثوب الحرير منهي عن الصلاة فيه، والثوب الذي فيه الصورة منهي عن الصلاة فيه ومنهي عن لبسه سواء في الصلاة أو خارج الصلاة، وأما الشيء الذي هو منهي عنه في نفس الصلاة فهذا هو الذي لا يصح بالاتفاق.
وأما المياه التي توضع للشرب فلا يتوضأ منها، وإذا توضأ منها يكون غاصباً، وحكمها حكم الغصب، كما لو صلى في ثوب مغصوب فعلى المذهب أنه لا تصح صلاته، وعليه أن يعيد الصلاة ولكن الصواب: أنها تصح مع الإثم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولبس الذهب والحرير مباح للنساء دون الرجال، إلا عند الحاجة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم)].
أي: أن لبس الذهب والحرير حرام على الذكور وحل للنساء، وللمرأة أن تتحلى بالذهب في يديها وفي أصابعها وفي رقبتها وفي أذنيها، وكذلك الفضة وليس لها أن تستعمل الذهب في أواني الأكل والشرب فهذا لا يجوز لا للرجال ولا للنساء وليس لهم استعمال ملاعق الذهب، ولا أقلام الذهب فكل هذا حرام لا يجوز استعماله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة، ولا تشربوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، يعني: الكفرة، فالأكل والشرب والاستعمال منهي عنه للرجال والنساء وللمرأة أن تتحلى بالذهب الفضة، وكذلك لها لبس الحرير وأما الرجل فليس له أن يتحلى إلا بخاتم من الفضة في أصبعه، ولا يلبس الحرير إلا مقدار أصبع أو أصبعين أو ثلاثة أو أربعة كما جاء الاستثناء في الحديث، وذلك إذا جعل في ثوب الحرير مكان الأزرار، أو في طرف الثوب مثل أصبع أو أصبعين أو ثلاثة أو أربعة فهذا مستثنى.
وأما الماس والأحجار الكريمة فالظاهر أنها ليست من الذهب ولا من الفضة، فلا تدخل في هذا، ولكن تدخل من جهة أخرى، وهي جهة الإسراف إذا كان الثمن مرتفعاً، فلا ينبغي للإنسان أن يسرف، ويلبس السرف.
وأما إناء المعدن الذي يطلى بالذهب أو الفضة وهو ما يسمى بالتضبيب فهذا مستثنى من النهي، إذا كان ضبة صغيرة من فضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما انكسر قدحه اتخذ مكانه سلسلة من فضة، والفضة يتسامح فيها أكثر من غيرها، فإذا جعل مكان الشق أو الكسر في الإناء ضباً يسيراً من فضة فلا بأس أما من الذهب فلا وكذلك إذا كان ضبة كبيرة من فضة.
كذلك لا يجوز للرجل لبس الساعة المطلية بالذهب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك، فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها، فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين].
أي: أنه إذا لم يجد إلا ثوباً واحداً، والمراد بالثوب: القطعة الواحدة، فإنه يستر به عورته، فإن كان واسعاً ستر به كفيه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كان الثوب واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به) رواه البخاري في صحيحه.
فإذا كان قطعة كأن يكون فوطة أو رداء فيستر به عورته، وإن كان كبيراً أو واسعاً مثل الشرشف فإنه يلتحف به، ويضع بعضه على كتفيه، فإن صلى وكتفاه مكشوفتان فقد اختلف العلماء في صحة الصلاة في هذه الحالة.
والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) فذهب الجمهور إلى: أن الصلاة تصح واستدلوا على ذلك بحديث جابر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري: (أنه صلى في إزار، ورداؤه موضوع على المشجب فقال له بعضهم: تصلي ورداؤك على المشجب؟ قال: أردت أن يراني أحمق مثلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أو لكلكم ثوبان؟).
والقول الثاني: أنه لابد أن يستر كتفيه إذا كان يستطيع ذلك فإن لم يستطع فلا تصح الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء).
والقول الثالث: أنها تصح مع الإثم إذا كان مستطيعاً، وهذا هو الأقرب.
إذاً فالأقرب أنه لابد أن يستر كتفيه جمعاً بين الحديثين فلا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه شيء، هذا إن كان وجد ما يستر كتفيه، وبعض الناس يصلي في فنيلة أو علاقية فتبرز كتفاه، فهذا ينبغي له الانتباه لهذا، والانتهاء عنه، وبعض الناس وهم محرمين في الحج أو في العمرة إذا جاءت الصلاة يصلي وهو مكشوف الكتفين فينبغي الانتباه لهذا، والانتهاء عنه، فإذا جاءت الصلاة عليه أن يضع الرداء على كتفه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن صلى من الرجال في ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك، فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها].
وهذا يكون إذا كان مثل الشرشف الكبير الذي يستطيع أن يتزر ببعضه، ويضع بعضه على كتفيه.
قال المؤلف رحمه الله: [فإن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها، فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين، فإن لم يكفهما جميعاً، ستر أحدهما].
أي: يستر الدبر؛ لأنه أفحش.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن عدم الستر بكل حال صلى جالساً يومئ بالركوع والسجود].
فالعاري يصلي جالساً؛ لأنه معذور في هذه الحالة، وكذلك العراة فإنهم يصلون ويكون إمامهم وسطهم، ولا يكون أمامهم، ويكون معذوراً في هذه الحالة وإن صلى قائماً صحت.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن صلى قائماً جاز، ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً أو مكاناً نجساً صلى فيهما، ولا إعادة عليه].
وهذا لأنه معذور في هذه الحالة فإذا كان عنده ثوب نجس ولم يجد ماء ليغسله، أو ليس عنده ما يغسله فإنه يصلي فيه، ولا يصلي عرياناً، وكذلك إذا كان في مكان نجس، فإنها مثل ما لو كان عنده ثياب نجسة فيصلي؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦].