[ما يستحب لمن أتى الجمعة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب ويبكر إليها].
كل هذا مستحبات ينبغي فعلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمة، ومن اغتسل فالغسل أفضل).
فالغسل مستحب عند جمهور العلماء لهذا الحديث، وقال آخرون من أهل العلم: كل من أراد أن يأتي الجمعة فعليه أن يغتسل وجوباً، وإلى هذا ذهب الظاهرية، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، وبهذا يفتي فضيلة الشيخ محمد العثيمين ويرى أن من الواجب على كل أحد أن يغتسل.
وقال آخرون من أهل العلم: إنما يجب الغسل على أهل المهن، والعمال الذين تخرج منهم الرائحة المنتنه، وما عداهم فلا يجب، واستدلوا بما جاء في حديث عائشة: (أن الناس كانوا عمالاً وكانوا تخرج منهم الريح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو اغتسلتم ليومكم هذا) قالوا: هذا دليل على أنه يجب على العمال، والصواب: أنه مستحب للجميع.
والتبكير إلى الجمعة كذلك من المستحبات، فيبكر إليها، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب ويستاك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ؛ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام).
وجاء في حديث آخر: أن من بكر كتب الله له في كل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، ثم إذا دخل الإمام طويت الصحف واستمعت الملائكة للذكر).
فهذه خمس ساعات ويدخل الإمام في الساعة السادسة، والساعات هنا: أجزاء من الزمن، فقد تكون الساعة في اللغة العربية جزء من الزمن، وقد تكون الساعة المعروفة الآن أو تكون أقل منها أو أكثر منها، فهي خمس ساعات من بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس، فتقسم إلى وقت خروج الخطيب، ويخرج الخطيب في الساعة السادسة، ومعلوم أن نهار الصيف يكون أطول، وأما الشتاء فيكون أقل، فالخمس الساعات تكون قصيرة في الشتاء وطويلة في الصيف، ومن الغريب أن الإمام مالك رحمه الله قال: إن هذه الساعات لحظات تكون بعد زوال الشمس، ثم يدخل الخطيب، وهذه من العجائب.
والصواب: أنها تبدأ إما من الفجر أو من طلوع الشمس، أما قول الإمام مالك إنها تبدأ من الزوال وقد دخل وقت الظهر، وأنها لحظات متوالية تنقص من الساعات فهو مرجوح.
وأما قول أنها تبدأ من الأذان الأول فغير صحيح، والأذان الأول محدث أحدثه عثمان رضي الله عنه لما اجتمع الناس، وما كان معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وإنما المراد من دخول اليوم إما من الفجر أو من طلوع الشمس.
وأما اليوم فقلت الرغبة في التبكير وضعف الناس وانشغلوا بالسهر حتى صاروا ينامون إلى وقت الصلاة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب ويبكر إليها.
وإذا كان له إزار ورداء فيعتبران ثوبين على عادة العرب إزار ورداء، أو قميص وعمامة، والثوب: القطعة من الثياب والشماغ والغترة تسمى قطعة، والإزار قطعة، والرداء قطعة، وكل قطعة تسمى ثوباً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن جاء والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين يوجز فيها].
وهذا هو السنة، لا يجلس حتى يصلي ركعتين، حتى ولو كان الإمام يخطب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يخطب فدخل سليك الغطفاني فجلس، فقال له: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما).
فدل على أنه لابد من تحية المسجد، لكن يخففهما إذا كان الإمام يخطب حتى يستمع الخطبة، وهذا معنى يوجز فيهما أي: يخففهما.
وإذا جاء والمؤذن يؤذن فهو مخير بين أن يصلي وبين أن يستمع الأذان ويردد، والأقرب أنه يردد بعد المؤذن، ثم يصلي ركعتين يوجز فيهما، وسماع الأذان وقته قصير وفيه فضيلة فلا يتعارض مع استماع الخطبة.
ومن السنة أن يدخل الخطيب على الوقت، وإن جاء مبكراً فهذا خلاف الأفضل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي إلا عند الخطبة، وإن جاء وتقدم فلا حرج.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا للإمام أو من كلمه].
لا يجوز للإنسان أن يتكلم والإمام يخطب، إلا إذا كان الإمام يكلم أحداً، كما تكلم ذلك الرجل الذي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (يا رسول الله! هلكت الأنعام، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا) أو أن الإمام يكلم بعض الناس فيقول: يا فلان افعل كذا أو قل كذا فمن يكلم الإمام أو يكلمه الإمام فلا بأس، أما أن يتكلم مع من بجواره فهذا لا يجوز، ومن تكلم والإمام يخطب فلا جمعة له، كما جاء في الحديث: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت، ومن لغى فلا جمعة له، ومن مس الحصى فقد لغى) فلا تقل: يا فلان افعل كذا أو اترك كذا ولا تجيب أحداً، ولا تشمت العاطس، ولا ترد السلام مثل الصلاة، ولا تستاك والإمام يخطب، كل هذا لا يجوز، ولكن إذا رأيت أحداً يعبث تشير إليه إما إشارة أو تنظر إليه، ثم انصحه بعد الصلاة.
وبعض الناس قد يكتب بعض الفوائد فهذا لا ينبغي؛ لأن فيه انشغال، ولكن يتذكر بعد الصلاة ويكتبها من بعد، وإذا غلط الخطيب في آية فإنه يفتح عليه مثل الصلاة.
ويوجد في بعض المساجد تسجيلات تسجل الخطبة، وقد ينشغل الذي يسجل عن سماع الخطبة فتراه يرفع الجهاز أو يخفضه، فقد يقال: إن هذا كالذي يعمل من حركات في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر ونزل القهقرى وتقدم، وكذلك أيضاً حمل أمامة بنت ابنته زينب فكان إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، وفتح الباب لـ عائشة، فقد يقال: إن هذه الحركة لا بأس بها، لكن أن ينشغل فهذا لا ينبغي أما الحركة اليسيرة فيعفى عنها كما في الصلاة، فيحاول أن يبتعد عن كل شيء يشغله عن سماع الخطبة.
وحديث: (من مس الحصى فقد لغى) يدخل فيه العبث الكثير.
مسألة: وهل يرفع المأموم يديه عند دعاء الإمام؟
الجواب
لا يرفع يديه إلا إذا استسقى الإمام، فيرفع الإمام يديه ويرفع المأمومون أيديهم.
مسألة: هل تجب صلاة الجمعة على أهل البادية والرجل المقيم في الصحراء في الخيام؟
الجواب
أهل البوادي ليس عليهم صلاة جمعة؛ لأنهم يرحلون وينزلون، ويرحلون وينزلون، فليسوا مقيمين، ومن شرط إقامة الجمعة أن يكون الإنسان مقيماً مستوطناً لا ينوي الانتقال، وكذلك أصحاب النزهة الذين يتنزهون في البر ليس عليهم جمعة.
وأما حديث: (من غسل واغتسل، وبكر وابتكر)، فيكون وقت الاغتسال بعد طلوع الفجر، أما قبله فلا؛ لأن اليوم ما دخل بعد.
وأما ساعة الإجابة في يوم الجمعة فقد اختلف فيها على أربعين قولاً، يقول الحافظ: أمليتها في فتح الباري، وأرجحها ساعتان، الساعة الأولى: عند دخول الخطيب حتى يفرغ من الصلاة، والساعة الثانية: آخر ساعة بعد العصر، فهذا أرجح ما قيل فيها.
وساعة الجمعة بأن يدعو مثلاً بين الخطبتين وفي الصلاة، وبعدما تنتهي الخطبة، وفي آخر التشهد، وفي السجود فهذا هو محلها.