[شروط وجوب الشفعة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا تجب إلا بشروط سبعة: أحدها: البيع، فلا تجب في موهوب ولا موقوف ولا عوض خلع ولا صداق].
يعني: إذا باع الشريك نصيبه يكون فيه شفعة، أما إذا وهبه فليس فيه شفعة، وكذلك إذا وقفه، كأن يقول: وقفت نصيبي من البيت لله.
فإنك لا تستطيع أن تنتزعه وتقول: أنا أشفع؛ لأنه لم يبع، وكذلك إذا جعله عوضاً لخلع زوجته، فقال لها: أخالعك على نصف البيت، فليس للشريك أن يقول: سآخذ النصف منها.
لأنه إذا وهب أو وقف لا يأخذ عوضاً، فكيف للشريك أن يشفع حيث لا عوض؟! قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثاني: أن يكون عقاراً أو ما يتصل به من البناء والغراس].
يعني: أن يكون ثابتاً كالأراضي والبيوت، ويتبعها الغراس، أما إذا كان منقولاً مثل السيارة فلا شفعة فيه؛ لأن الضرر في المنقول ليس كالضرر في الثابت.
والمسألة فيها خلاف، فقد قيل: إن له الشفعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الثالث: أن يكون شقصاً مشاعا فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه].
أي: إذا كانت الأرض محددة ومقسمة فلا شفعة فيها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [لقول جابر رضي الله عنه: (قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)].
ولأنه يزول الضرر، فإذا قسمت ووضحت الحدود فلا ضرر في البيع حينئذٍ ولا شفعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرابع: أن يكون مما ينقسم، فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه].
وذلك كالبئر والحمام، فمثل هذين إذا باع أحدهما نصفه لا شفعة فيه؛ لأنه لا يقسم، إلا أن بعض العلماء قال في الحمام: فيه الشفعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الخامس: أن يأخذ الشقص كله، فإن طلب بعضه سقطت شفعته].
الشرط الخامس: أن يأخذ الشقص كاملاً، فلو كانت أرض بين شخصين وباع أحدهما نصيبه فقال الشفيع: أنا لا أستطيع أن آخذ نصيبك كله، ولكن سآخذ الربع فإنه يقال له: إما أن تأخذ الجميع وإما أن تترك الجميع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو كان له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما].
أي: لو كانت الأرض بين ثلاثة كل واحد له الثلث ثم باع أحدهم ثلثه، فإنه تكون الشفعة للشريكين بحسب نصيب كل واحد منهما، وحينئذٍ يكون لكل واحد السدس، فالأول يضم إلى نصيبه السدس، والثاني يضم إلى نصيبه السدس، فتكون بينهما نصفين، فبدلاً من أن كانت الأرض أثلاثاً صارت بينهما نصفين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر إلا أخذ الكل أو الترك].
أي: إذا كانت هناك أرض بين ثلاثة، ثم باع أحدهم فإن لكل واحد من الشريكين الآخرين أن يشفع بالسدس، فإذا قال أحدهما: أنا لا أريد الشفعة، نقول للثالث: عليك أن تأخذ الجميع، فإن قال: أنا لا أريد إلا السدس نصيبي نقول له: إما أن تأخذ الجميع وإما أن تترك الجميع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [السادس: إمكان أداء الثمن، فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته].
يعني: أن يستطيع الشفيع أن يؤدي الثمن، فإن كان فقيراً فقال: سأشفع، ولكن ليس لدي نقود نقول له: فإما أن تسلم الثمن وإلا فلا شفعة لك.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإذا كان الثمن مثليا فعليه مثله، وإن لم يكن مثليا فعليه قيمته].
أي: إذا كان الثمن مثلياً فإنه يسلم المثل، وإذا كان قيمياً فإنه يسلمه القيمة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينه].
وذلك لأنه هو الغارم، فإذا اختلفا وليس لهما بينه فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه هو الدافع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [السابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم، فإن أخرها بطلت شفعته، إلا أن يكون عاجزاً عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها].
أي: لا بد من أن يطالب بالشفعة ساعة أن يعلم، فإذا علم أن الشريك باع فإنه يطالب بالشفعة، فإن سكت مدة ثم ادعى الشفعة فلا شفعة له، إلا إذا منعه مانع، كأن يكون مريضاً أو صغير السن، أو محبوساً، أو غائباً، فهو حينئذٍ معذور، فالغائب متى ما جاء وعلم له الشفعة، ولو بعد سنين، والصغير إذا كبر يشفع، والمريض كذلك إذا شفي من مرضه يشفع، والمحبوس إذا خرج من حبسه وعلم له أن يشفع.
أما إذا كان ليس له عذر وسمع أن شريكه باع وسكت، ثم بعد مدة بدى له أن يشفع فإنا نقول: ليس لك ذلك؛ لأنك سكت ورضيت أولاً ولم تطالب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته].
يعني: ينبغي له إذا كان في مثل الحبس أن يشهد من عنده، فيقول: اشهدوا أني أشفع لكنني لا أستطيع الآن، أو كان غائباً فإنه يشهد من حوله فيقول: اشهدوا أني على شفعتي الآن إذا قدمت.
وهذا أحسن وأحوط.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن لم يعلم حتى تبايع ثلاثة فأكثر فله مطالبة من شاء منهم، فإن أخذ من الأول رجع عليه الثاني بما أخذ منه والثالث على الثاني].
إذا حصل أن بيعت الأرض مرات وهو مريض أو غائب أو لم يعلم فهو على شفته، فلو بيع الشقص على ثلاثة فإنه ينتزع الحصة ويسلم القيمة، فإن أخذها من الأول رجع عليه الثاني، وإن أخذها من الثاني رجع عليه الثالث، وهكذا.