للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القول فيما يلزم المجامع المحرم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [التاسع: الوطء في الفرج، فإن كان قبل التحلل الأول: فسد الحج، ووجب المضي في فاسده والحج من قابل، ويجب على المجامع بدنة، وإن كان بعد التحلل الأول: ففيه شاة ويحرم من التنعيم ليطوف محرماً].

هذا التاسع من محظورات الإحرام: الجماع وهو الوطء في الفرج، فإذا وطئ في الفرج مغيباً حشفته في الفرج فهذا فيه تفصيل، إن كان قبل التحلل الأول فله حكم، وإن كان بعد التحلل الأول فله حكم.

والتحلل الأول يحصل عند أهل العلم بفعل اثنين من ثلاثة، وهي رمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق، والطواف مع السعي، أي: طواف الإفاضة مع السعي، فإذا رمى وحلق، أو رمى وطاف، أو طاف وحلق، فقد تحلل التحلل الأول، أما الذبح فليس منها كما يظنه بعض العامة.

فإذا فعل اثنين من الثلاثة تحلل التحلل الأول، وإن فعل الثلاثة تحلل التحلل الثاني، فإذا رمى وحلق تحلل التحلل الأول، ولبس ثيابه وبقي عليه أشياء ولا تحل له زوجته إلا إذا طاف، فإذا رمى وحلق وطاف حلت له زوجته، وإذا رمى وطاف فعل اثنين بقي عليه الثالث وهو الحلق، وإذا حلق وطاف بقي عليه الرمي وهكذا.

فإذا جامع زوجته قبل التحلل الأول أي: قبل أن يفعل اثنين من ثلاثة لزمه أربعة أمور: الأمر الأول: فساد حجه، الأمر الثاني: إكمال الحج الفاسد والمضي فيه، الأمر الثالث: قضاء الحج من العام القادم، ولو كان نفلاً، الأمر الرابع: أن يذبح بعيراً، فهذه كلها تجب على من جامع قبل التحلل الأول.

وقلنا بقضاء الحج من العام القادم ولو كان نفلاً؛ لأنه لما دخل فيه صار واجباً عليه لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦].

فأما فساد الحج والمضي فيه ووجوب البدنة فهذه واضحة.

وأما قضاء الحج من العام القادم ففيه خلاف، والأقرب: أنه لا يجب إلا إذا لم يؤد فريضة الحج أو كان الحج نذراً، فإن كان نفلاً فلا يقضيه على الصحيح، والجمهور على أن هذا يجب على العامد وغير العامد.

والدليل على وجوب البدنة قضاء الصحابة بذلك، وقالوا: إن الصحابة لم يفرقوا بين العامد وغير العامد، ولو كان ناسياً؛ لأن هذا من باب الإتلاف، والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن الناسي معذور وهذا هو الصواب.

والجاهل الذي يجهل مثله، وكذا المكره، فهؤلاء معذورون، وإن كان هذا خلاف قول الجمهور، لكن الجمهور والمذهب على أنه لا يعذر، وقالوا: إن الصحابة لم يفرقوا بين العامد وغير العامد، فهو مثل قتل الصيد، فسواء أكان القاتل مخطئاً أم غير مخطئ عامداً أم غير عامد فالكفارة تلزمه.

وقالوا: إن المتعمد لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة:٩٥]، وأن الله نص على المتعمد، وجاء في السنة بغير المتعمد.

والقول الثاني: أن غير المتعمد معذور في هذا.

أما إذا جامع بعد التحلل الأول، أي: بعد أن رمى وحلق وبقي عليه الطواف جامع؛ فنقول: خفت الأحكام عليه: أولاً: لا يفسد الحج، بل الحج صحيح.

ثانياً: يجب عليه ذبح شاة.

ثالثاً: يجب عليه أن يذهب إلى التنعيم أو إلى عرفة ويحرم؛ لأنه أفسد إحرامه ولم يفسد حجه؛ حتى يأتي ليطوف طواف الإفاضة محرماً بإحرام جديد.

ولابد أن نفرق بين هذا وبين الآثار المروية عن الصحابة في ثبوتها، فإنها تحتاج إلى تأمل في أسانيدها.

القول الثاني: وهي الرواية الأخرى عن الإمام أحمد، وأخذ بها أيضاً بعض العلماء: أن الناسي معذور؛ لأن النسيان لا حيلة فيه، وكذلك الجاهل إذا كان المسلم يجهل هذا الشيء، والجاهل قد يكون معذوراً، وقد يكون غير معذور، فليس كل جاهل معذوراً، فإذا كان يجهل هذا الشيء فلا بأس، ولا يمكنه السؤال، أما إذا كان متساهلاً لا يسأل عن دينه فلا يعذر على الصحيح.

والأقرب أنه إذا كان مثله يجهل أو ناسياً فهو معذور؛ لأن النسيان لا حيلة فيه، والجاهل كذلك معذور، فقد عذره الله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان بعد التحلل الأول ففيه شاة].

وهنا خفت الأحكام، فبدل البدنة شاة، ولا يفسد الحج أيضاً، ولا يقضي؛ لأن الحج صحيح، فيمضي فيه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويحرم من التنعيم، ليطوف محرماً].

يحرم من التنعيم أو من أي مكان خارج الحرم، والتنعيم أقرب قليلاً، وهو خارج الحرم، فيخرج إلى عرفة أو إلى التنعيم؛ لأنه أفسد إحرامه ولم يفسد حجه، فيحرم بإحرام جديد ليطوف به طواف الإفاضة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن وطئ في العمرة أفسدها، ولا يفسد النسك بغيره].

يعني: إذا طاف ثم جامع قبل السعي فسدت عمرته، أو سعى وطاف ثم جامع قبل الحلق والتقصير فسدت العمرة، فيكملها، وعليه شاة، وعليه قضاء تلك العمرة الفاسدة.

وهذا إذا كان متعمداً، والجمهور على الإطلاق، سواءً كان متعمداً أو ناسياً أو جاهلاً، والصواب كما سبق: أن الناسي معذور، والجاهل الذي مثله يجهل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يفسد النسك بغيره].

ولا يفسد النسك بغير الجماع، يعني: لو حلق رأسه لا يفسد النسك، أو غطى رأسه أو تطيب أو قتل الصيد أو باشر، لا يفسد الحج ولا العمرة إلا الجماع في الفرج، وهو أن يغيب الحشفة في الفرج قبل التحلل الأول، وما عداه من محظورات الإحرام إن ارتكبها فإنه يأثم، وعليه فدية إذا كان متعمداً، ولكن لا يفسد النسك حجاً أو عمرة.

فحلق الشعر، وتغطية الرأس، والطيب، والمخيط، والمباشرة، وعقد النكاح، والصيد، كل هذه لا تفسد الحج ولا العمرة، ولكن عليه فدية.

وإذا فسد الحج بالجماع فإنه يكمل الحج ولا يحتاج إلى إحرام، فما دام الحج فاسداً لا يفيده الإحرام ويتم؛ لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦]، لا بد من الإتمام به، لكن ذهب ابن حزم إلى أنه يخرج منه، قال: إنه فاسد والله تعالى لا يصلح عمل المفسدين، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٨١] فيخرج، وجمهور العلماء يرون أنه يتم، ومن الصحابة من أفتوا بهذا.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمرأة كالرجل، إلا أن إحرامها في وجهها ولها لبس المخيط].

بمعنى: أنها لا تغطي الوجه بمخيط كالبرقع والنقاب، ولكن لها أن تغطي الوجه بالخمار.

وقول: (إحرام المرأة في وجهها، والرجل في رأسه) بعضهم نسب هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بصحيح، وإنما هذا مروي عن ابن عمر أو غيره.

والأقرب أن وجه المرأة ليس كرأس الرجل، وإنما هو كالبدن، كما أن الإنسان يغطي بدنه، فالمرأة تغطي وجهها بالخمار، لكن لا تغطيه بالمخيط وهو البرقع والنقاب، كما أنها تغطي يديها بثيابها، ولا تغطي يديها بقفازيها؛ لأنه مخيط على قدر اليدين، فوجهها ويداها لا يغطيان بالمخيط، ولكن يغطيان بغير المخيط على الصحيح.

ويدل على هذا حديث عائشة: (كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا)، لكن تغطي الوجه واليدين بغير المخيط.

كذلك تغطي المرأة رأسها، ولها لبس المخيط، بخلاف الرجل لا يلبس المخيط ولا يغطي رأسه.

فلا تغطي المرأة وجهها بالنقاب ولا البرقع، وتكتفي بالخمار، لأن النقاب يكون من المخيط الذي فصل على قدر الوجه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين).