للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محظورات الإحرام]

قال الإمام أبو محمد الموفق رحمه الله تعالى: [باب محظورات الإحرام: وهي تسعة: حلق الشعر، وقلم الظفر، ففي ثلاثة منها دم، وفي كل واحد مما دونه مد طعام وهو ربع الصاع].

قول المؤلف رحمه الله تعالى: (باب محظورات الإحرام).

أي: الممنوعات التي منع منها المحرم، فالمحظور الممنوع.

وعقد هذا الباب للأشياء التي يمنع منها المحرم، وهو الذي دخل في الإحرام، والإحرام: هو نية الدخول في النسك، فإذا نوى الدخول في النسك في حج أو عمرة فإن هناك محظورات يحظر منها من دخل في الإحرام، وهي تسعة أشياء يمتنع عنها المحرم، وهي: قص شيء من الشعر، وأخذ شيء من الظفر، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، والطيب، والصيد، وعقد النكاح، والجماع، والمباشرة، وهي دون الجماع.

وهذه التسعة عرفت بالاستقراء والتتبع للنصوص.

قوله: [وهي تسعة: حلق الشعر وقلم الظفر].

حلق الشعر هو المحظور الأول، والمحظور الثاني قلم الظفر.

ولو قال في الأول: إزالة الشعر، لكان أحسن؛ لأن الممنوع هو إزالة الشعر سواء أكان بحلق أم بغيره كنتف أو مزيل من صابون أو أدهان، فهذا كله ممنوع، لقول الله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:١٩٦] وإن كان هذا في المحصر فكذلك المحرم.

ومن الأدلة أيضاً: أن كعب بن عجرة رضي الله عنه لما كان محرماً وقد شق عليه ما أصابه من القمل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم، قال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة).

فدل هذا على أن المحرم ممنوع من حلق الرأس، وإذا احتاج إليه فإنه يفعله ويفدي.

والشعر عند العلماء عام، يدخل فيه شعر الرأس وشعر سائر الجسم، وخالف داود الظاهري فقالوا: إنه خاص بالرأس؛ لأن هذا هو الذي يتعلق به النسك.

وقوله: (وقلم الظفر).

هذا مقيس عليه، وكذلك الباقي أغلبها مقيس عليها، والدليل على القياس: أنه سمي في حديث كعب بن عجرة كفارة، وفيها فدية، فتسمى فدية الأذى.

وأما تغطية الرأس فقد ورد فيه نص، وأما لبس المخيط والطيب فكل هذه مقيسة عليه، فحلق الشعر هو الأصل، ثم تقليم الأظفار ولبس المخيط والطيب وتغطية الرأس هذه كلها مقيسة عليه بجامع الترفه، لكن تغطية الرأس فيه نص، والعلماء يقولون: الأصل دفع الأذى، والبقية مقيسة عليها، وأما قتل الصيد وعقد النكاح ففيها أدلة خاصة.

فالخمسة المقيس عليها كلها فيها فدية أذى، أي: إذا فعل واحداً منها محتاجاً إليه فعليه الفدية وليس عليه إثم، فإن فعلها غير محتاج إليها فعليه فدية وإثم وعليه التوبة والاستغفار.