للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموصى إليه]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب: الموصى إليه.

تجوز الوصية إلى كل مسلم عاقل عدل من الذكور والإناث لما يجوز للموصي فعله].

تجوز الوصية لمسلم عاقل، يخرج الكافر، فالكافر لا يوصى إليه، وعاقل يخرج السفيه والمعتوه.

كذا العدل يخرج الفاسق، فالفاسق لا يوصى إليه فيما يجوز له التصرف فيه، يوصي إليه بأن ينظر مثلاً في أولاده والنفقة عليهم، وكل ما يجوز التصرف فيه، فله أن يوصي لغيره فيما يجوز له التصرف فيه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [بما يجوز للموصي فعله من قضاء ديونه وتفريق وصيته والنظر في أمر أطفاله].

كل هذا يجوز للإنسان أن يوصي إليه: النظر في ديونه، سواء أوصى إلى رجل أو أوصى إلى امرأة لابد أن يكون مسلماً وعاقلاً وعدلاً، فيجوز له إذا أوصى إليه أن يقضي دينه أو يفرغ وصيته، أو أمره بأن الوصية تجعل في كذا وكذا، أو ينظر في أمر أولاده ويلاحظهم وينفق عليهم وينمي أموالهم فلا بأس في ذلك، لكن بهذه الشروط، وهي أن يكون مسلماً فلا تصح الوصية إلى كافر، عاقلاً فلا تصح الوصية إلى ضعيف العقل، عدلاً فلا يوصي إلى فاحش؛ لأنه متهم، سواء كان رجلاً أو امرأة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومتى أوصى إليه بولاية أطفاله أو مجانينه ثبتت ولايته عليهم].

إذا أوصى إليه بولاية أطفاله، يقول: أنت الولي على أطفال فلان، أو المجانين وضعاف العقول من أولاده فإنه ينظر في مصالحهم وينمي أموالهم وينفق عليهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونفذ تصرفه لهم بما لهم فيه الحظ من البيع والشراء وقبول ما يوهب لهم].

يتصرف فيهم بما يكون لهم الحظ فيه من البيع والشراء، فيبيع من أموالهم ويشتري وينميها بما لهم الحظ، ولابد أن يكون لهم حظ فيه، فلا ينميها بشيء يكون عليه ضرر على مالهم، كأن يكون هناك نقص بسبب الأخطاء، فعليه أن يتاجر ويضارب بأموالهم، لكن بشرط أن يجنبهم الأخطاء، ولا يدخل في معاملته خطأ على مال القصار من الصبيان والضعفاء، وإذا أهدى لهم شخص هبة يقبلها، ويجعلها مع أموالهم، ولا ينفق شيئاً من أموالهم في غير وجوهه المشروعة، بل ينفق عليهم فقط، وليس له أن يتصدق من أموالهم، أو ينفق شيئاً منها، ويقبل ما يهدى إليهم ويتصرف في مالهم بما فيه الحظ لهم، في البيع والشراء والمضاربة، لكن بشرط أن يجنبه الخسران ولا يدخل إلا في معاملة يغلب على ظنه أنها تسلم وأنها تغني وقال العلماء: إنه لا يجعل مال اليتيم مثلاً يمر في البحر؛ لأنه ربما تغرق السفينة فيضيع مال اليتيم أو مال القصار.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والإنفاق عليهم وعلى من تلزمهم مئونته بالمعروف].

كذلك ينفق عليهم وينفق -إذا كان لهم أموال- على من تلزمهم نفقتهم، إذا كان هناك فقراء فيمكن أن يكون لهؤلاء القصار ولاية عليهم كأم الأيتام مثلاً يكونون منفقين عليها، أو مثلاً إخوة الأيتام كأن يكون لهم أخ من الأم فقير أو ابن عم فقير لا أحد ينفق عليه، فعلى ذلك ينفق عليهم من أموالهم؛ لأن النفقة واجبة في هذه الحالة عليهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والتجارة لهم ودفع أموالهم مضاربة بجزء من الربح].

كذلك يتجر في أموالهم ويجنبها الأخطار، ويتفق معهم على أن يكون الربح بالأرباع فيأخذ الربع مثلاً أو بالأثلاث، فيأخذ الثلث ولهم الثلثان على حسب ما اشترط، هذا منه المال وهذا منه العمل والربح بينهما، وإذا خسر المال أو لم يربح ليس له شيء من المضاربة.

ولا يجوز للوصي أن يأكل الربح حتى ينمو، وينمي الأموال هذه؛ لأن هذا فيه الحظ لهم، وحتى لا تأكله النفقة، بل ينفق عليهم وينمي الأرباح.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أتجر لهم بنفسه فليس له من الربح شيء].

إذا اتجر صار هو الذي يشغل أموالهم فلا يأخذ أجرته إلا إذا كان فقيراً، وليس له كسب فإنه في هذه الحالة يأكل بقدر حاجته أو بقدر عمالته، وينظر ما هو الأقل، فإن كان الأقل أجرته يأخذ الأجرة، وإن كان الأقل النفقة التي يحتاجها يأخذ النفقة، فإذا فرضنا أن ولي الدين فقير لا يستطيع أن يتفرغ لمال الأيتام؛ لأنه ليس عنده شيء وهو يعمل في مال الأيتام، وإذا ترك مال الأيتام مثلاً ليكسب تعطل مال اليتيم، فهنا نقول: خذ حاجتك، فإن قال: أنا يكفيني في كل شهر خمسمائة ريال، فإذا نظرنا وجدنا أن أجرة من يشتغل أربعمائة، نقول: لن نعطيك إلا أربعمائة؛ لأن الأقل أربعمائة، فإن كان أجرة من يشتغل خمسمائة، لكن يكفيه النفقة أربعمائة، فلا يعطى إلا نصفها، فيأخذ الأقل من النفقة أو الأجرة، يقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:٦].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وله أن يأكل من مالهم عند الحاجة بقدر عمله ولا غرم عليه].

أي: إذا كانت أقل من حاجته، أو كانت مساوية لحاجته، يعني: يأخذ الأقل من حاجته أو أجرته.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يأكل إذا كان غنياً؛ لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:٦] وليس له أن يوصي بما أوصى إليه به].

يعني: الميت أوصى إليه بأن ينظر في أولاده وأن يكون ولياً على أولاده، ثم أراد أن يوصي شخصاً من الناس فليس له ذلك، وليس له أن يوكل فيما وكل فيه؛ لأن الميت قد أوصى لشخص معين؛ ولأن الثاني قد لا يقوم مقامه، فإذا وصى أن يكون على أولاده زيد، قال زيد: أنا سأوصي عمراً يقوم مقامي ليس له ذلك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا أن يبيع ويشتري من مالهم لنفسه].

إذا كان والياً على الأيتام فلا يبيع لنفسه ولا يشتري لنفسه؛ لأنه متهم في هذه الحالة، فليس له أن يفعل ذلك، وإنما يبيع لغيره ويشتري من غيره.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز ذلك للأب فلا يلي مال الصبي والمجنون إلا الأب أو وصيه أو الحاكم].

يعني: الأب يجوز له أن يوصي على أولاده من يقوم مقامه، وإنما هذا للأب خاصة، فالأب له أن يوصي، أما الوصي فليس له أن يوصي.