للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرضاع كالنسب في التحريم والمحرمية]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الرضاع.

حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية].

يقال: الرَّضاع والرِّضاع، ويقال: الرَّضاعة والرِّضاعة بالفتح والكسر، والرَّضاع: هو أن يرتضع طفل من غير أمه، سواء ارتضع من ثديها، أو حلبت له في إناء فشربه، أو جفف، أو جُعل له وجور صب في حلقه، أو سعوط صب في حلقه، وإذا فُعل به ذلك خمس مرات فإنها تثبت المحرمية، لحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وإذا ارتضع من امرأة فمص الثدي ثم تركه باختياره للعب أو لتنفس ولم يؤخذ منه ثم أخذه وارتضع تعتبر هذه رضعة ثانية، فإذا ارتضع خمس رضعات ثبتت المحرمية، ويحرم به ما يحرم من النسب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، ولابد أن يكون هذا الرضاع في الحولين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء) وفي لفظ: (إلا ما أنشز العظم وكان في الحولين)، وفي صحيح مسلم: (إنما الرضاعة من المجاعة) فلابد أن يكون في الحولين، ولابد أن يرتضع الطفل خمس رضعات؛ لما ثبت في حديث عائشة في صحيح مسلم قالت: (فنسخن بخمس معلومات يحرمن)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ سهلة بنت أبي سهيل في سالم مولى أبي حذيفة: (أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه)، فلابد من خمس رضعات، وتكون الرضعات في الحولين، فإذا رضع طفل من امرأة خمس رضعات في الحولين صار ابناً لها، وصارت أماً له، ويكون جميع أبنائها وبناتها من هذا الزوج أو من زوج سابق أو لاحق إخوة له من الرضاعة، ويكون إخوتها أخوالاً له من الرضاعة، ويكون أبوها جده من الرضاعة، وأمها جدته من الرضاعة، ويكون الزوج الذي له اللبن أباه من الرضاعة، ويكون إخوة الزوج الذي له اللبن أعمامه من الرضاعة، ويكون جميع أبناء هذا الزوج إخوة له، فإذا كانوا من هذه المرأة التي رضع منها فإنهم يكونون إخوة أشقاء، وأبناؤه من غيرها إخوة للرضيع من الأب من الرضاعة، كما أن أولاد الأم التي أرضعته من هذا الزوج إخوة له أشقاء، ومن زوج آخر إخوة له من الأم وهكذا.

وكذلك تنتشر المحرمية في الرضيع نفسه وفي أولاده، وتنتشر في المرضعة التي أرضعته وأبنائها وبناتها وأقاربها: آباؤها وأجدادها وجداتها وإخوتها، فتنتشر الحرمة في الزوج الذي له اللبن، فيكون أباً له من الرضاعة، وأبوه جداً له من الرضاعة، وإخوته أعماماً له من الرضاعة، وأما إخوة الرضيع من النسب فلا علاقة لهم بالرضاعة، وأخوات الرضيع من النسب لا علاقة لهن بالرضاعة، وأم الرضيع من النسب لا علاقة لها بالرضاعة، وأبو الرضيع من النسب لا علاقة له بالرضاعة، فيجوز لأخي الرضيع من النسب أن يتزوج أخته من الرضاعة، ويعايا بها فيقال: رجل زوج أخاه أخته، كيف ذلك؟ أي: أنه ارتضع من امرأة ولها بنت، فصارت أخته من الرضاع، وله أخت من النسب فزوج أخاه من النسب أخته من الرضاع؛ لأن أخاه من النسب ليس له علاقة بالرضاعة، فالحرمة تنتشر في الرضيع وأبنائه وبناته، وتنتشر في الأم وأقاربها، وتنتشر في الزوج الذي له اللبن وأقاربه فقط.

قوله: (حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية).

يعني: يحرم عليه أن يتزوج أمه من الرضاع، أو أخواته من الرضاع، وكذلك أيضاً يجوز له أن ينظر إليها، وأن ينظر إلى أخواته من الرضاع، ويخلو ويسافر بهن، وأما التوارث فليس بينهم توارث، وليس هناك توارث بين الرضيع وبين إخوته من الرضاعة وأمه من الرضاعة، وكذلك النفقة لا يجب عليه أن ينفق عليها، وكذلك العقل والدية، لا يعقل عن إخوته من الرضاع، إنما العقل خاص بالعصبات من النسب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فمتى أرضعت المرأة طفلاً صار ابناً لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه].

قوله: (ثاب اللبن) أي: اجتمع اللبن، فالرضيع يصير ابناً للمرضعة، ويصير ابناً للزوج الذي له اللبن، فيكون الزوج الذي له اللبن أباً من الرضاعة، والمرأة التي أرضعته أمه من الرضاعة، ويكون أقارب الزوج الذي له اللبن: أبناؤه وبناته إخوة له، وإخوته أعماماً له، وأبوه جداً له وأمه جدة له، وكذلك الأم التي أرضعته تكون أمه من الرضاعة، وأبناؤه وبناته إخوة له من الرضاعة، وأمها جدة له من الرضاعة، وأبوها جده من الرضاعة، وهكذا.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيحرم عليه كل من يحرم على ابنها من النسب].

أي: من جهة النكاح، فكما أن ابنها من النسب تحرم عليه أخواته، فكذلك ابنها من الرضاع تحرم عليه أخواته من الرضاع.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أرضعت طفلة صارت بنتاً لهما، تحرم على كل من تحرم عليه ابنتهما من النسب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)].

أي: إذا أرضعت طفلة صارت هذه الطفلة أختاً لأبناء هذه المرأة وأبناء الزوج الذي له اللبن، فتكون أختهم؛ فيحرم عليهم أن يتزوجوها، وكذلك إخوة الزوج الذي له اللبن يصيرون أعماماً لها من الرضاعة لا يجوز لهم أن يتزوجوها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والمحرم من الرضاع ما دخل الحلق من اللبن، سواء دخل بارتضاع من الثدي، أو وجور أو سعوط، محضاً كان أو مشوباً إذا لم يُستهلَك].

أي: أن الطفل سواء مص اللبن من الثدي أو صب له في كأس وشربه، أو جُفِّف فأكله، أو صب عليه ماء ثم شربه فكذلك، وهذا ما لم يكن الماء كثيراً بحيث يزول عنه اسم اللبن، وسواء شربه من جهة الفم، أو صب في فمه، وهذا هو الوجور، أو سُعط من جهة الأنف، أي: صب في أنفه فالأنف منفذ مثل الفم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ لقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وهذا بخلاف ما لو صب في الأذن فإنه ليس منفذاً، وكذلك العين ليست منفذاً، وأما الأنف فإنها تنوب عن الفم، فأحياناً قد يغذى من جهة الأنف.