[ما جاء في زكاة الدين]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب حكم الدين.
من كان له دين على مليء أو مال يمكن خلاصه كالمجحود الذي له به البينة، والمغصوب الذي يتمكن من أخذه فعليه زكاته إذا قبضه لما مضى، وإن كان متعذراً كالدين على مفلس أو على جاحد ولا بينة به، والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه].
هذا هو الصواب في حكم الدين، والدين فيه تخفيف، فإذا كان لك دين على شخص مليء متى ما طلبته دفعه إليك، أو تستطيع أخذه منه، كالمجحود الذي له بينة، والمغصوب الذي تستطيع أخذه، فإنك تزكيه مع مالك، فإما أن تزكي كل مالك أو إذا قبضته تزكي لما مضى؛ لأنك قادر على أخذه.
أما الدين الذي لا يستطيع الإنسان أخذه كالدين على معسر فقير لا يستطيع دفعه، ما عنده شيء، ولا يستطيع يعمل، أو مماطل وليس له بينة، يحتاج له إلى شكوى، فهذا ليس عليه شيء حتى يقبضه، فإذا قبضه يستأنف بحول جديد، أو يزكي لسنة واحدة كما قال بعض أهل العلم.
فالمقصود: أن الدين إذا كان على مليء باذل أو يستطيع أخذه منه فإنه يجب عليه أن يزكيه لما مضى إذا قبضه، أو يزكيه كل سنة مع ماله.
وكذلك إذا كان يستطيع الإنسان أخذه، يعني: بعض الناس إذا تأخر يزكي فيما مضى، أما إذا كان الدين على معسر فقير لا يستطيع دفعه ولا يدري هل يأتي أو لا يأتي، ويغلب على ظنه أنه لا يستطيع الدفع، أو على مماطل ومنكر للحق وليس له عليه بينة، ولا يستطيع أخذه منه، فهذا ليس عليه زكاة إلا إذا قبضه، فإذا قبضه يستلم به حولاً جديداً أو يزكيه زكاة واحدة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمغصوب والضال الذي لا يرجى وجوده فلا زكاة فيه].
ومثله المغصوب أيضاً، فإذا كان المال مغصوباً على الشخص أو لا يستطيع دفعه أو ضل وضاع كإبل ذهبت، ولا يستطيع معرفة مكانها، فهذا ليس فيه زكاة حتى يرجع إليه ماله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحكم الصداق حكم الدين].
كذلك بالنسبة لصداق المرأة، فإذا كان لها مهر على زوجها، والزوج باذل له فإنها تزكيه، فإن كان مماطلاً أو منكراً أو معسراً يغلب على ظنها أنه لا يستطيع دفعه الآن فلا زكاة عليها إلا إذا قبضته، فإذا قبضته تزكيه لسنة واحدة أو تستقبل حولاً جديداً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن كان عليه دين يستغرق النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه].
من كان عليه دين يستغرق النصاب الذي معه أو ينقصه فلا زكاة فيه، مثال ذلك: لو كان إنسان عليه دين عشرة آلاف، وعنده الآن عشرة آلاف، فلا يزكي على هذه العشرة على المذهب؛ لأن الدين يقابل ما عنده، أو كان عنده مائة ألف وعليه ديون مائة ألف، أو عليه ديون تنقص النصاب، فإذا أوفاها بقي أقل من النصاب فلا يزكي، فهذا هو ما مشى عليه المذهب.
والصواب: أنه يزكي المال الذي عنده وحال عليه الحول، ويستعين الله في قضاء دينه؛ لأن هذا المال الذي عندك تتعلق به نفوس الفقراء وحقوقهم، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأخذ الزكاة من أصحاب الأموال ولم يقل: هل عليكم ديون؟ إن كان عليكم ديون فليس عليكم زكاة، فأرسل عليه الصلاة والسلام العمال الذين يخرصون الزروع والثمار، ويأخذون الزكاة، ولم يقل: إن كان عليكم ديون فليس عليكم زكاة، فالصواب: أن من كان عنده مال، وحال عليه الحول، وبلغ النصاب أنه يزكي، ولا ينظر إلى الدين الذي عليه، يزكي ثم يقضي دينه، إلا إذا قضى الدين قبل تمام الحول فلا بأس، أما إذا تم عليه الحول المال وعنده فإنه يخرج زكاة المال الذي عنده، ويستعين الله في قضاء دينه، وعليك أن توفي الدين قبل تمام الحول، أما أن تبقيه عندك حتى يتم الحول ثم تقول: أنا علي دين مقابل هذا فلا أزكي، فهذا لا ينبغي، فيزكي المال الذي عنده وبلغ نصابه، وتم عليه الحول، ويستعين الله في قضاء الدين.