للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الربا وحكمه وأنواعه]

قال المؤلف رحمه الله: [باب الربا.

عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل سواءً بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى)].

الربا في اللغة: الزيادة، ومنه قول الله تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:٥]، أي: زادت، وقوله تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل:٩٢]، أي: أكثر عدداً، يقال: فلان أربى من فلان، يعني: أكثر عدداً، والمادة تدل على الكثرة.

وشرعاً: الزيادة في أشياء مخصوصة، أو التأجيل والنسأ في أشياء مخصوصة، والربا نوعان: ربا النسيئة وربا الفضل، ولهذا يكون تعريف الربا: الزيادة في أشياء مخصوصة، والتأجيل والنسأ في أشياء مخصوصة، وكلاهما حرام، فالربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:٢٧٥]، وقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء)، وهو من كبائر الذنوب والمحرمات الغليظة في التحريم، فإن الله تعالى توعد المرابي بالوعيد الشديد؛ فقد توعده بالحرب، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٧٨ - ٢٧٩]، ولم يأت في معصية من المعاصي أن توعد بهذا الوعيد، إذ إن الوعيد حرب الله {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وجاء في بعض الآثار: (أنه يقال يوم القيامة للمرابي: خذ سلاحك فحارب ربك)، نسأل الله السلامة والعافية، فهو من الكبائر العظيمة، وجاء في الحديث: (درهم رباً يأكله الرجل أشد من ست وثلاثين زنية) نسأل الله السلامة والعافية.

والربا نوعان: ربا الفضل وربا النسيئة، وربا النسيئة هو الربا الأعظم، وهو ربا الجاهلية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الربا في النسيئة)، وفي اللفظ: (لا ربا إلا في النسيئة) يعني: رباً أعظم، يعني: دراهم بدراهم مؤجلة، فلابد أن يكون يداً بيد، دراهم بدراهم، أو براً ببر، أو ملحاً بملح، وربا الفضل هو الزيادة، تبيع مثلاً ذهباً بذهب، درهماً بدرهمين أو ديناراً بدينارين، هذا فضل زيادة وهو ربا، أو تبيع صاعاً من البر بصاعين من البر، أو صاعاً من التمر بصاعين من التمر وهذا زيادة، أو صاعاً من الشعير بصاعين، فالربا نوعان: ربا النسيئة وهذا هو الربا الأعظم وهو ربا الجاهلية، والثاني: ربا الفضل وهو الزيادة، وفي حديث عبادة بن الصامت ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشياء يجري فيها الربا: وهي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وهذه الأشياء الستة مجمع على تحريم الربا فيها عند العلماء، قال عليه الصلاة والسلام في حديث عبادة بن الصامت: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)، يعني: إذا باع أحدهما بالآخر فيجب أمران: الأمر الأول: التماثل، يعني: يتماثلان في الكيل أو الوزن.

والأمر الثاني: التقابض في مجلس العقد يداً بيد، لابد من ذلك فإذا بعت ذهباً بذهب يجب أمران: التماثل في الميزان فلا يزيد أحدهما على الآخر، وإذا كانت المرأة معها ذهب وحلي قديم، وتريد أن تأخذ حلياً جديداً فلابد أن يكون بالميزان، ولا يزيد أحدهما على الآخر، ولابد من التقابض، خذ وأعط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد)، فقوله: (مثلاً بمثل سواء بسواء)، هذا الشرط الأول: وهو التماثل، وقوله: (يداً بيد) هذا الشرط الثاني: التقابض، كذلك ذهب بذهب فضة بفضة بر ببر شعير بشعير تمر بتمر ملح بملح، لابد فيها من الأمرين: التماثل وهو التساوي، والشرط هنا التقابض بينهما، فإذا اختلفت هذه الأصناف سقط شرط وبقي شرط، فإذا بعت ذهباً بفضة وبراً بشعير وتمراً بملح، سقط شرط وهو التماثل بينهما، فيجوز الزيادة، ولك أن تبيع صاع بر بصاعين من الشعير، لكن يجب التقابض بين السلع من غير تأجيل يداً بيد، أما إذا كان تمراً بتمر -مثلاً- فلا يجوز، ولو كان أحدهما جيداًً فلا يجوز لك أن تبيع صاعاً من السكري أو من الخلاص مثلاً بصاعين من الخضري، ولو كان هذا رديئاً وهذا جيداً، وإذا أردت أن تبيع التمر الرديء الخضري بدراهم، ثم تشتري بالدراهم سكرياً أو خلاصاً، فقد وقع هذا لـ بلال رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشتري له تمراً، فأتاه بتمر جنيب فسأله فقال له: (أكل تمر خيبر هكذا؟ -جنيب- قال: لا يا رسول الله، قال: من أين لك هذا التمر الجنيب؟ قال: إنا نبيع الصاع من هذا بصاعين من الجمع) الجمع: تمر رديء، والجنيب: تمر جيد، فقال النبي: (أوَّه أوَّه! لا تفعل لا تفعل عين الربا عين الربا) ثم أرشده إلى الخلاص منه فقال: (بع الجمع بالدراهم، ثم اشترِ بالدراهم جنيباً)، بع التمر الرديء بدراهم، ثم اشتر بالدراهم تمراً جنيباً، أما أن تبيع صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الجيد فهذا لا يجوز.

وهذه الأصناف الستة مجمع على تحريم الربا فيها.