[الحكم فيما إذا استعط أو وصل إلى جوفه شيء]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب ما يفسد الصوم من أكل أو شرب أو استعط أو أو صل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس أو أمذى أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد].
هذا الباب معقود للأشياء التي يفسد بها الصوم، وذكر أشياء منها: الأكل والشرب، فمن أكل أو شرب بهذين الشرطين: ذاكراً عامداً -ذاكراً: ضد الناسي، وعامداً: ضد المكره- فسد صومه، أما من أكل أو شرب ناسياً فصومه صحيح، ولا قضاء ولا كفارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله: (من نسي فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) وكذلك إذا لم يكن مختاراً -يعني: كان مكرهاً- كأن صب في فمه الماء، وألجئ أو هدد بالسلاح أمامه فأكل أو شرب، فلا يفسد صومه في هذه الحالة؛ لأنه ليس له قصد ولا اختيار، ولهذا قيده المصنف فقال: ذاكراً عامداً، ذاكراً: ضد الناسي، وعامداً: ضد المكره، يعني: قاصداً لهذا الشيء، فله قصد في هذا وله اختيار من أكل أو شرب.
وكذلك لو استعط بدهن أو غيره، يعني: جعل سعوطاً في أنفه؛ لأن الأنف منفذ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فدل على أن الأنف منفذ، فإذا استعط بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه ذاكراً عامداً أفطر.
وكذا من قبل زوجته أو لمس أو باشر فأنزل فسد صومه، وكذا لو استمنى بيده أو بيد زوجته أو بغير ذلك فأمنى فسد الصوم.
أما إذا أمذى ففيه خلاف، والمذهب أنه يفسد صومه، القول الثاني: وهو رواية عند الإمام أحمد: أنه لا يفسد وهو الصواب، لكن يأثم إذا تسبب في إفساد صومه وهو يعلم بذلك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [من أكل أو شرب أو استعط أو أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى].
إذا أوصل إلى جوفه من أي شيء من أي موضع، وعلى هذا فالإبرة التي تصل إلى الجوف تفطر الصائم كإبرة العضل أو إبرة الوريد أو غيرها.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الإيصال إلى الجوف لا يفطر، ومن ذلك القطرة في العين أو القطرة في الأذن؛ لأنهما ليسا منفذاً.
ويقول: لم يجعل الله ولا رسوله وصول شيء إلى الجوف من المفطرات، ولأنه ليس أكلاً ولا شرباً، وليس في معنى الأكل والشرب، فلا تفطر الإبرة إذا كانت مكافحة للمرض سواء كانت في الوريد أو في العضل، بخلاف القطرة في العين أو في الأذن، فإن الأنف منفذ إذا وصلت إلى الحلق، ولكن الأحوط للمسلم أن يبتعد عن الإبر لاسيما في النهار، احتياطاً لهذه العبادة العظيمة، وأكثر الفقهاء على أنها تفطر، وإن كان ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله وجيه؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن الإيصال إلى الجوف مفطر، ولا يسمى أكلاً أو شرباً، أما الإبر المغذية فهذه تفطر بالاتفاق، وبعض المعاصرين فرق بين الإبرة في العضد وفي العضل، فقال: الإبرة في العضد تفطر، والإبرة في العضل لا تفطر، لكن التفريق ليس بظاهر.
أما المغذية فهذه ما في إشكال أنها تغني عن الأكل والشرب، ومثل حقن الدم أيضاً في المريض؛ لأنه خلاصة الطعام والشراب.