[الصورة الثالثة من صور السباق أن يكون الجعل منهما مع وجود ثالث بينهما أو عدمه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما، أو بعيره بعيريهما، أو رميه رميهما؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن من أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار)].
قال المحقق في تخريج هذا الحديث: ضعيف، أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، وابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي وأحمد كلهم من حديث أبي هريرة، وفيه ضعف؛ بسبب سفيان بن حسين وهو الرواي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً.
وتابعه سعيد بن بشير عن الزهري به، وأخرجه الحاكم وقال: إسناده صحيح.
لكن سعيد بن بشير ضعيف، والحاكم متساهل في التصحيح.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير: وكذا صححه ابن حزم، وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري، وقد رواه معمر وعقيل عن الزهري عن جماعة من أهل العلم، قال أبو داود: وهذا أصح عندنا، وقال أبو حاتم: أحسن أحواله أن يكون موقوفاً على ابن المسيب، فقد رواه يحيى بن سعيد عنه من قوله، انتهى كلام أبي حاتم.
وكذا هو في الموطأ عن الزهري عن ابن المسيب قوله، وقال ابن أبي خيثمة: سألت عنه ابن معين فقال: هذا باطل، وضرب على أبي هريرة.
انتهى.
ومتابعة سعيد بن بشير واهية؛ لكونه ضعيفاً، والثقات يروونه عن ابن المسيب قوله، كذا رواه مالك.
الخلاصة: هذا حديث قال عنه يحيى: إنه باطل، وكذا أبطله أبو حاتم -أي: كونه مرفوعاً- وكذا رجح عدم وصله أبو داود فلا يلتفت إلى تصحيح الحاكم له، ولا إلى تصحيح ابن حزم، وضعفه الألباني في الإرواء.
فالحديث فيه ضعف، لكن العلة في هذا أنه يكون قماراً إذا أخرجا جميعاً؛ لأنه إما أن يَغلب وإما أن يُغلب، إما أن يسبق هو فيكون غانماً، وإما أن يُسبق فيكون غارماً، لكن إذا كان معهما ثالث صار هناك احتمال أن يسبق الثالث، وعلى هذا فلا يكون غانماً ولا غارماًً، يعني: يأمن أن يكون غانماً أو غارماً، بخلاف ما إذا كانا اثنين، فإنه لابد إما أن يكون غانماً أو غارماً، لكن إذا كان معهما ثالث، فإنه يحتمل وقد يغلب على الظن أنه لا يكون غانماً ولا غارماً.
إذاً: إذا كان العوض من شخص ثالث فلا بأس، وإذا كان من أحدهما فلا بأس، وإذا كان منهما جميعاً فلا يصح إلا إذا كان معهما ثالث.
والحديث لا يصح مرفوعاً، وإنما صح من قول ابن المسيب، وقول الصحابي أو التابعي إذا لم يكن في الباب شيء، فإن بعض أهل العلم يحتج به؛ كالإمام أحمد وغيره، يعني: إذا لم يكن في المسألة إلا قول صحابي أو تابعي فيستأنس به.
والمقصود: أن مسألة السباق على الإبل أو الخيل أو السهام لا بد أن يكون العوض فيها إما من شخص ثالث أو من أحدهما، أما إذا كان العوض منهما جميعاً فلا يصح إلا إذا أدخلا ثالثاً حتى يزول احتمال الغنم أو الغرم وتزول مسألة القمار.
إذاً: هذه المسألة فيها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يكون العوض من شخص خارج.
الحالة الثانية: أن يكون من أحدهما، وهاتان الصورتان جائزتان.
الحالة الثالثة: أن يكون منهما جميعاً، وهذه لا تجوز إلا إذا أدخلا معهما ثالثاً، حتى تزول صورة القمار؛ لأنهما إذا كانا اثنين وأخرجا يكون قماراً؛ لأن أحدهما يصير غانماً أو غارماً على كل حال، أما إذا دخل ثالث فيزول هذا؛ لأنه قد يسبق الثالث فلا يكون غانماً ولا غارماً.
قوله: (وإن أخرجا جميعاً لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما وبعيره بعيريهما ورميه رميهما) يعني: لا يكون ضعيفاً؛ لأنه إذا كان ضعيفاً، أو فرسه أضعف، أو بعيره أضعف صار يغلب على الظن أنه يُسبق فتأتي مسألة القمار، فيكون أحدهما غانماً أو غارماً، فلا بد أن يكافئ فرسه فرسيهما، وبعيره بعيريهما؛ حتى تزول صورة القمار.
أما حديث: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار) فالصواب أنه موقوف على ابن المسيب، ورفعه ضعيف.