[الأحكام الأربعة التي تفارق فيها العطية الوصية]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتفارق العطية والوصية لأحكام أربعة].
العطية في وقت الحياة والوصية بعد الموت، بينهما فروق أربعة.
قال: [أحدها: أن العطية تنفذ من حينها، فلو أعتق عبداً أو أعطاه إنساناً صار المعتق حراً وملكه المعطى وكسبه له، ولو وصى به أو دبَره لم يعتق].
يعني: لم يعتق إلا بعد الموت.
قال: [ولم يملكه الموصى له إلا بعد الموت].
أي: لم يكن للموصى له إلا بعد الموت، هذا الفارق الأول: أن العطية تنفذ في الحال، فإذا أعطاه عبداً أو غيره تنفذ في الحال ويملكه ويكون له كسبه، أما إذا أوصى له فلا يرث إلا بعد الموت ويأخذ من الثلث، والعطية في الحياة لا تعتبر من الثلث.
قال: [وما كسب أو حدث فيه من نماء منفصل فهو للورثة].
يعني: ما كسبه أو نماه الموصى به.
قال: [الثاني: أن العطية يعتبر قبولها وردها حين وجودها كعطية الصحيح، والوصية لا يعتبر قبولها ولا ردها إلا بعد موت الموصي].
فالعطية شروط قبولها وردها في الحال، إذا قال: أعطيتك كذا، يقول: قبلت أو يردها، بخلاف الوصية فلا يكون ذلك إلا بعد الموت.
قال: [الثالث: أنها تقع لازمة لا يملك المعطي الرجوع فيها، والوصية له الرجوع فيها متى شاء].
فالفرق الثالث: إذا أعطى شخصاً وقبضه ليس له الرجوع، وأما الوصية فإذا أوصى لفلان بعد موته ثم أراد أن يرجع رجع؛ لأنه لم يأت وقت الوصية، إنما يكون وقتها بعد الموت، فالعطية ليس له أن يرجع فيها، والوصية له أن يرجع فيها.
قال: [الرابع: أن يبدأ بالأول فالأول منها إذا ضاق الثلث عن جميعها، والوصية يسوى بين الأول منها والآخر].
يعني: العطية يكون فيها الترتيب، العطية الأولى ثم العطية الثانية ثم العطية الثالثة، والوصية يسوى بينها لا فرق بين أن أوصى لفلان أو فلان أو فلان، وإذا ضاق الثلث فكل واحد يأخذ بالنسبة، مثل الغرماء، لكن في العطية كيف يبدأ بالأول فالأول وهو في زمن الحياة، والأصل أن العطية تنفذ كلها؟ وذلك لأن السابق استحق الثلث فلم يسقط فيما بعده.
حيث إن العطية ليس لها علاقة بالثلث، ما دام هو في زمن الحياة، فالعطية ليست في زمن الحياة فكيف تربط بالثلث؟ فالإشكال إذا ضاق الثلث عنه، كيف تربط الثلث بالعطية ما دامت في زمن الحياة؟ ومعنى قوله: أن يبدأ بالأول فالأول منها إذا ضاق الثلث عن جميعها والوصية يسوي بين الأول أن هذا كعطية المريض، وعطية المريض تنفذ في الحال، لكن أعطى فلاناً مائة وفلاناً مائة وفلاناً مائة، ولما أعطينا الأول مائة والثاني مائة انتهى الثلث، وأصبح الثالث ليس له شيء؛ لأنه لا تنفذ إلا الثلث، لكن إذا وصى لفلان ووصى بمائة لفلان ووصى لفلان، ولم نجد في ماله إلا مائة فإننا نعطي الأول ثلاثة وثلاثين، والثاني ثلاثة وثلاثين والثالث ثلاثة وثلاثين، وإذا كانا اثنين نعطي كل واحد منها النصف، وفي عطية الملك في زمن الحياة أعطى واحداً مائة والثاني مائة والثالث مائة، ولم نجد إلا مائة فقط، فإننا نقول: نبدأ بالأول فالأول يأخذ مائة والثاني والثالث ليس لهما شيء، لكن الوصية أوصى لفلان بمائة وفلان بمائة وفلان بمائة فكل واحد نعطيه الثلث، لكن نعطي الأول ثلاثة وثلاثين من الثلث والثاني ثلاثة وثلاثين من الثلث، والثالث ثلاثة وثلاثين فظهر الفرق بينهما؛ لأن العطية يلزم الأول فالأول والوصية يسوى بين الأول والآخر.
قال: [ويدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته سواء كان فيها عتق أو لم يكن].
النقص يعني: بالنسبة.
قال: [وكذلك الحكم في العطايا إذا وقعت دفعة واحدة].
العطايا إذا وقعت دفعة واحدة كذلك، كان قال: أعطيت هؤلاء كل واحد منهم كذا وكذا، فهذا يدخل في حكم الوصية بالنسبة.