[السنن الرواتب]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب صلاة التطوع.
وهي على خمسة أضرب أحدها السنن الرواتب: وهي التي قال ابن عمر رضي الله عنه: (عشر ركعات حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الفجر، حدثتني حفصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين وهما آكدها)].
وهذه السنن الرواتب من صلاة التطوع، وسميت السنن الرواتب لأن الإنسان يرتبها ويستمر عليها، فينبغي للإنسان أن يحافظ عليها فهي مكملة للفرائض.
وكما في حديث ابن عمر أنها عشر ركعات، وجاء في حديث أم حبيبة أنها اثنتا عشرة ركعة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، والحديث: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حافظ على اثنتي عشرة ركعة في كل يوم وليلة بنى الله له بيتاً في الجنة)، والزيادة في حديث أم حبيبة صحيحة وثابتة، وتكون أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر.
وإذا صلى أربع ركعات بعد الظهر فهو أفضل، فيزيد أيضاً ركعتين؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله على النار) وليست من الرواتب، لكن إذا زاد ركعتين فيكون أفضل.
وكذلك يشرع أن يصلي أربع ركعات قبل العصر لما جاء في الحديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً).
وكذلك يسن أن يصلي ركعتين بعد كل أذان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة! بين كل أذانين صلاة!).
والسنن الرواتب تقضى إذا فاتت مادام الوقت باقياً، فإذا فاتت السنة القبلية بعد الظهر يصليها بعد الظهر إلى دخول وقت العصر، وسنة المغرب إلى مغيب الشمس، وسنة العشاء إلى نصف الليل، وسنة الفجر جاء ما يدل على أنها تصلى قبل الفجر مباشرة وتصلى أيضاً بعد طلوع الشمس، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي بعد الفجر فقال: (آصبح أربعاً؟) فذكر أنه لم يصل ركعتين قبل الفجر؛ فسكت.
وجاء ما يدل على أن النبي صلى بعد الشمس، فإذا كان الإنسان يتشاغل عنها يصليها بعد الفجر مباشرة، وإن أخرها إلى بعد طلوع الشمس فلا حرج، فهذا كله جائز.
وإذا صلى سنة الظهر الأربع بسلام واحد فكثير من الفقهاء يرى أنه لا حرج، ولكن الأفضل أن يسلم لكل ركعتين، أما صلاة الليل فلا يجوز صلاة أربع مرة واحدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهذا خبر بمعنى الأمر.
أما صلاة النهار فقد جاء في رواية النسائي: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)، وبعض العلماء قالوا: في كلمة: (والنهار) إنها غير ثابتة، فعلى هذا لا بأس أن يصلي أربعاً، لكن الأفضل أن يسلم لكل ركعتين، نرى الآن الأحناف وبعض العمال الباكستانيين يصلون أربع ركعات بسلام واحد، وترك هذا أولى.
وأورد المؤلف رحمه الله تعالى نقلاً عن ابن عمر أنه قال: [حدثتني حفصة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين) وهما آكدهما، ويستحب تخفيفهما، وفعلهما في البيت أفضل، وكذلك ركعتا المغرب].
ركعتا الفجر آكد السنن الرواتب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
وجاء في حديث وفيه ضعف: (لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل).
وركعتا الفجر صلاتهما في البيت أفضل إذا تيسر، وكان النبي يصليهما في بيته، وكان إذا أذن المؤذن وطلع الصبح جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فركع -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- ركعتين ثم اضطجع على شقه الأيمن، ثم يخرج يصلي بالناس، فالأفضل إن تيسر صلاتهما في البيت، وإن لم يتيسر صلاهما في المسجد، وإذا صلاهما في البيت ثم جاء إلى المسجد وما أقيمت الصلاة فيصلي تحية المسجد، وكذلك سنة المغرب يصليها في بيته، بل الأفضل صلاة جميع السنن الرواتب في البيت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، فهذا هو الأفضل إن تيسر ولاسيما ركعتي الفجر وركعتي المغرب.
وسنة قبل المغرب ثابتة؛ لما في صحيح البخاري: أن الصحابة كان يبتدرون السواري بعد أذان المغرب فيصلون ركعتين.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! صلوا قبل المغرب! ثم قال في الثالثة: لمن شاء) وقوله: (لمن شاء) كراهية أن يتخذها الناس سنة واجبة، ولو لم يقل: (لمن شاء) لصارت واجبة، فدل على أنها مستحبة.
وهذا يدل على أن وقت المغرب واسع، وما يزعمه بعض الناس من أن وقت المغرب قصير لا يتسع إلا لثلاث ركعات ليس بصحيح، بل قد ثبت أن وقت المغرب إلى مغيب الشفق، أي: ما يقارب ساعة إلى ساعة وثلث.
والمقصود: أنه واسع، وما يفعله بعض الناس من كونهم يبادرون إلى الصلاة، ولا يتمكن بعضهم من الوضوء الكامل فهذا خلاف الأولى، حتى أصبح الناس يقفون عند المؤذن، فبمجرد ما ينتهي المؤذن من الأذان يؤمر بإقامة الصلاة، وهذا غلط مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا قبل المغرب) والصحابة كانوا يبتدرون السواري، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينكر عليهم وإن كان يبكر بالمغرب أكثر من غيرها، لكن ما كان يبادر هذه المبادرة الشديدة.
وفي الحديث الآخر: (وبين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والمتوضئ من وضوئه) فينبغي مراعاة ذلك.
أما في السفر فتسقط السنن الرواتب كراتبة الظهر والمغرب والعشاء إلا ركعتي الفجر؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتركها حضراً ولا سفراً.
والمسافر ليس عليه جمعة يصليها ركعتين، وإذا أتم الصلاة وأراد أن يسافر فلا بأس؛ لأن ابن عمر يقول: لو كنت متنفلاً أو مسبحاً لأتممت، فإذا أتم الصلاة مع الناس لا بأس.