[حكم العارية والفرق بينها وبين الوديعة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير].
والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها، (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ من صفوان بن أمية أدراعاً يوم حنين، قال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة).
فالعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها، هكذا شأن العارية إذا استعار إناءً أو سكيناً أو كتاباً لا بد أن يرده، فإذا تلفت العارية فهي مؤداة، يعني: لا بد أن يردها، أو يضمن ثمنها.
والعارية غير الأمانة؛ لأن العارية إنما استعارها ليستفيد منها، فلو استعرت كتاباً لتستفيد منه ثم تلف تضمن، ولو استعرت قدراً لتطبخ فيه ثم تلف تضمنه، أما في الأمانة لو أعطاك شخص القدر وقال: احفظه عندك ثم تلف لا تضمن، لكن العارية أنت تستفيد منها.
إذاً: مسألة العارية فيها خلاف بين أهل العلم، والمذهب أنه يضمنها مطلقاً؛ لأنه قبضها للانتفاع بها.
القول الثاني: وهو الصحيح أن العارية لا تضمن إلا بالتعدي، ووجه الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بل عارية مضمونة) هذا من باب الشرط، والمسلمون على شروطهم، فإن اشترط عليه فإنه يضمن.
وقال المحقق في الحاشية: والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في خطبته عام حجة الوداع: (العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم).
وروى صفوان بن أمية رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعاً فقال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة)، رواه أبو داود.
فعلى القول الثاني أن العارية لا تضمن إلا إذا اشترط، كأن يقول: أنا أعطيك الكتاب لكن أشترط عليك إن تلف أن تضمنه، أو تعدى وهذه رواية أخرى عن الإمام أحمد قال الشيخ تقي الدين: هذا القول له وجه، لكن ما مشى عليه المؤلف هو المذهب وهو المشهور، والثاني: رواية عن الإمام أحمد تحتاج إلى مراجعة المغني وغيره وينظر في الأدلة والترجيحات.
فإذاً: المسألة فيها روايتان: المذهب أنها مضمونة على كل حال؛ لأنه قبضها لمصلحة فتخالف الوديعة، والوديعة إنما وضعها المودع من أجل مصلحته هو، وأما المستعير فهو الذي ينتفع من العارية.
ولحديث صفوان الذي ذكره.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه لا يضمنها إلا إذا تعدى أو فرط أو اشترط عليه ضمانها، وهذه الرواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والغالب أن اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختيارات موفقة، ولا يلزم أن يكون هذا في كل اختياراته رحمه الله، إذ من اختياراته رحمه الله في الحج أن المتمتع ليس عليه إلا سعي واحد، وهذا ليس عليه العمل الآن، وهو مرجوح.
وفي مسألة وجوب العارية فإن شيخ الإسلام يقول بوجوبها وقوله قوي، قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:٧] فالله تعالى ذم المشركين؛ لأن من أوصاف المشركين منع الماعون، فإذا كانت العارية لا تتلف ولا يحصل عليها ضرر وهو ليس بحاجة إليها، فليس له أن يمنعها، والقول بوجوبها قول قوي تدل عليه الآية الكريمة، ((وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)) لأن الله ذم المشركين.
فلو طلبه السكين أو دلواً في بئر أو صحناً فينبغي بذله.