[الإمام الذي لا تصح الصلاة خلفه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن يعلم بحدث نفسه ولم يعلمه المأموم].
هذا معلوم، فإذا كان يعلم أن صلاته فاسدة فلا تصح الصلاة خلفه، إذا علم أنه محدث وما توضأ، فهذا لا تصح الصلاة خلفه بالإجماع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن يعلم بحدث نفسه ولم يعلمه المأموم حتى سلم فإنه يعيد وحده].
ظاهر العبارة أن هذا لمن يعلم النجاسة، إذا كان يعلم المأموم أن صلاة الإمام فاسدة فلا تصح الصلاة، وإن كان لا يعلم إنما يعلم الإمام وحده صحت صلاة المأموم، وبطلت صلاة الإمام؛ فيعيد صلاته، مثل الإمام إذا صلى بالناس وهو على غير طهارة وهو لم يعلم فيعيدها وحده، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس جنباً وهو لا يعلم، ثم أعاد ولم يعد المأمومون، كذلك فعل عثمان، ففي هذه الحالة تكون صلاة المأموم صحيحة وصلاة الإمام باطلة، فيتوضأ ويعيد.
وقد جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقيمت الصلاة جاء ووقف، فلما أراد أن يكبر قال: (مكانكم، ثم انصرف فرجع يقطر رأسه ماء فصلى بالناس وأم بهم) ولم تعد إقامة الصلاة؛ وهذا يحصل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يكبر ثم تذكر أنه جنب، وجاء في الحديث أنه قال: (ذكرت أني جنب فنسيت أن أغتسل).
فالمقصود: أن الإنسان قد ينسى، وإذا صلى بالناس ثم تذكر أنه على غير طهارة في أثناء الصلاة فإنه يتأخر ويقدم من يتم بهم الصلاة، وهذا ما ذهب إليه الجمهور.
القول الثاني الذي ذهب إليه الحنابلة: أنه إذا تذكر أنه على غير طهارة فعلى المأمومين استئناف الصلاة من جديد، وليس لهم أن يبنوا على صلاته؛ لأنها باطلة، أما إذا كان على طهارة وأحس بأن طهارته سوف تنتقض ولا يستطيع الاستمرار فهنا يتأخر ويقدم آخر يصلي بهم، هذا على ما ذهب إليه الحنابلة، والقول الأول: لا فرق بين الحالتين، وهو الصواب؛ لحديث أبي هريرة في البخاري: (يصلون لكم)، يعني: أئمة الكفر، (فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم).
فإذا علم أنه على غير طهارة تأخر وقدم من يتم بهم، فإن لم يقدم أحداً قدموا أحداً يتم بهم أو من يستأنف بهم الصلاة، فإن لم يفعلوا أتموا صلاتهم فرادى.
وإذا استحيا الإمام ولم يخرج فهذا لا يجوز، ويأثم بهذا الفعل، وقد قال بعض العلماء: إن من صلى على غير طهارة متعمداً يكون مرتداً؛ لأنه مستهزئ بربه، لكن في مثل هذه الحالة قد يتأول الإنسان، فيوجد بعض الناس قد يجلس أو لا يستطيع الخروج، ذكر العلماء أنه إذا كان يغلب عليه الحياء فإنه يضع يده على أنفه فيوهم أنه رعف ثم يخرج.
وإذا كان الإمام قد أكل لحم إبل ولم يتوضأ لاعتقاده أنه لا ينقض الوضوء، فإذا كان يرى هذا وهو طالب علم فلا بأس، فيستمر في صلاته، وهي صحيحة، وصلاة من خلفه صحيحة، والصواب أن لحم الإبل ينقض الوضوء، قال الإمام أحمد: فيه حديثان صحيحان: الأول: (قيل: يا رسول الله أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: نعم إن شئت، قيل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم)، والحديث الآخر: (توضئوا من لحوم الإبل، ولا تتوضئوا من لحوم الغنم)، والحديثان لـ جابر وسمرة وهما صحيحان، والجمهور يقولون: إن هذا منسوخ بحديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، فقالوا: إن لحم الإبل داخل في هذا، وكانوا في أول الإسلام يتوضئون مما مسته النار، إذا شرب مرقاً أو أكل طعاماً مسته النار أو شرب قهوة مثلاً يتوضأ، ثم نسخ، قالوا: ودخل في ذلك لحم الإبل، لكن الصواب أن لحم الإبل خاص، فهو ينقض الوضوء حتى ولو لم تمسه النار، حتى لو أكل لحماً نيئاً فإنه ينقض الوضوء للأدلة الخاصة بذلك.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن يعلم بحدث نفسه ولم يعلمه المأموم حتى سلم فإنه يعيد وحده.
وفي نسخة (إلا لمن لم يعلم بحدث نفسه) يعني: حتى سلم، ثم علم بعد ذلك فلا بأس، وهذا اللفظ هو الأقرب، يعني: إذا لم يعلم بحدث نفسه حتى سلم، ولم يعلمه كذلك المأموم حتى سلم الإمام فهذه هي التي تستقيم والتقدير: ولا تصح الصلاة خلف من صلاته فاسدة إلا لمن لم يعلم بحدث نفسه حتى سلم ولم يعلمه المأموم.
فلما سلم علم أنه على غير طهارة، وأنه ما توضأ أو أنه أكل لحم جزور، أو أن عليه جنابة، فهنا تصح صلاة المأموم خلفه ويعيد الإمام وحده، أما إذا كان المأموم يعلم أن صلاة الإمام فاسدة فلا تصح صلاته، ولا تصح الصلاة خلف إمام صلاته فاسدة إلا في حالة واحدة، وهي ألا يكون المأموم يعلم بفساد صلاة الإمام.
قوله: فإنه يعيد وحده.
يعني: الإمام يعيد وحده، كما ثبت أن عمر رضي الله عنه أعاد وحده.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح خلف تارك ركن إلا إمام الحي إذا صلى جالساً لمرض يرجى برؤه].
لا تصح الصلاة خلف إمام ترك ركناً من أركان الصلاة، إلا إذا كان الإمام مريضاً فجلس، وصلوا وراء جلوساً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان مريضاً، فقد صلى جالساً والصحابة كانوا خلفه قياماً، فأشار إليهم أن يجلسوا، وقال لما سلم: كدتم أن تفعلوا كما تفعل الأعاجم يقفون على رءوس ملوكهم وهم قعود.
وفي مرضه في آخر حياته عليه الصلاة والسلام تقدم أبو بكر يصلي بالناس، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إلى جنبه عن يساره، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وصلى أبو بكر قائماً، والناس قيام يقتدون بـ أبي بكر، وأبو بكر يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
واختلف العلماء في الجمع بينهما: فقال بعض أهل العلم: إن هذا ناسخ لما فعله في مرضه الأول؛ لأنه نهى الناس عن القيام في المرض الأول، وفي مرضه الأخير أقرهم على القيام.
وقال آخرون: إن أمرهم بالجلوس محمول على الاستحباب، وقيامهم خلفه محمول على الجواز.
وقال آخرون: إن الجمع بينهما: أنه إذا ابتدأ الإمام الصلاة جالساً وجب عليهم الجلوس، وإذا ابتدأ الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس وجب عليهم القيام؛ لأنه في مرضه الأول صلى بالناس جالساً فأمرهم أن يجلسوا، وفي مرضه الأخير ابتدأ أبو بكر بالناس الصلاة قائماً، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على القيام، فدل على أنه يجمع بينهما: بأنه إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً ثم اعتل استمروا قياماً، وإذا ابتدأ بهم الصلاة قياماً صلوا قياماً، وهذا خاص بالإمام، إذا كان الإمام مريضاً وصلى بالناس قائماً يصلون خلفه قياماً، وإذا صلى قاعداً فيصلون قعوداً، أما غيره فلا يقدم إذا كان مريضاً لا يستطيع أن يركع، ولا يستطيع أن يسجد أو لا يستطيع أن يقوم، بل فيقدم غيره.
وللإمام أن يقدم غيره، لكن لو أراد أن يصلي فله ذلك، وبعض الأئمة لا يريد أن يقدم أحداً فله ذلك.
وأما المؤتمون فالصواب: أنهم مخيرون بين الجلوس وبين القيام، والجلوس أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، والقيام جائز؛ لأن النبي أقرهم بذلك في حياته.
والخلاصة: إذا كان إمام الحي والإمام الراتب فلهم أن يجلسوا ولهم أن يقوموا، أما إذا كان غيره فلا يقدم إذا كان مريضاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تصح خلف تارك ركن إلا إمام الحي إذا صلى جالساً لمرض يرجى برؤه فإنهم يصلون وراءه جلوساً إلا أن يبتدئها قائماً ثم يعتل فيجلس فإنهم يأتمون وراءه قياماً].
لهذا اختار أحد الجمعين: أنه إذا ابتدأ بهم الصلاة قاعداً صلوا قعوداً كما فعل في مرضه الأول، وإذا ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل صلوا قياماً كما فعل في مرضه الأخير.
القول الثاني الذي هو اختيار البخاري رحمه الله: أن الأمر بالقعود منسوخ، قال البخاري: وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يجب عليهم القيام.
القول الثالث لأهل العلم: أنهم مخيرون بين القيام وبين القعود، فإن قعدوا فهو أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقعود، وإن استمروا جاز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم في آخر حياته.
هذه ثلاثة أقوال لأهل العلم، والمؤلف اختار أحدها وهو أنه إذا ابتدأ بهم الصلاة جالساً قعدوا، وإذا ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل وقعد قاموا.
وإذا كان الإمام عاجزاً عن قيام ركن آخر من أركان الصلاة فلا تأتموا به كما قال المؤلف: لا يؤتم بمن كان عاجزاً عن ركن من أركان الصلاة.