للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[السجود وصفته]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يخر ساجداً مكبراً ولا يرفع يديه].

وهذا هو الصواب، أي: أن يخر ساجداً بدون رفع يديه، وما جاء في بعض الأحاديث أنه كان يرفع يديه فهو ضعيف.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه].

قوله: (أول ما يقع على الأرض ركبتاه ثم يداه)، عملاً بما جاء في حديث وائل بن حجر: (إذا سجد أحدكم فليسجد على ركبتيه ويديه، لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير)، وأما حديث أبي هريرة ففيه: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)، وقد اختلف العلماء في التوفيق بين الحديثين، ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله، أنه حصل انقلاب من بعض الرواة، في حديث أبي هريرة: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)، والأصل: (وليضع ركبتيه قبل يديه)، وذلك؛ لأن البعير إنما يضع يديه قبل ركبتيه، فإذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد شابه البعير، فالبعير إذا برك بدأ بيديه، وعلى هذا فيكون حديث أبي هريرة: (لا يبرك أحدكم في السجود كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)، وحدث انقلاب من بعض الرواة، والأصل: أن يضع ركبتيه قبل يديه.

وقال آخرون: بل إن هذا هو مقصود النبي صلى الله عليه وسلم أي: وضع الركبتين قبل اليدين؛ لأن ركبتي البعير في يديه، وعلى كل حال في المسألة اختلاف بين أهل العلم، وفيها كلام للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، وقد أقر أنه يضع يديه قبل ركبتيه، لكن الأولى الذي عليه جمهور العلماء والذي قرره المحققون ومنهم العلامة ابن القيم والذي عليه أئمة الدعوة: أنه يضع ركبتيه قبل يديه، أي: يبدأ بالأقرب فالأقرب، فيبدأ بالركبتين ثم اليدين، وبالعكس عند النهوض فينهض بيديه ثم ركبتيه.

والقول الثاني على العكس من الأول، وهذا كله من باب الاستحباب، وإلا فلو وضع يديه قبل ركبتيه أو ركبتيه قبل يديه.

فلا حرج عليه.

ويستحب العمل بذلك إذا لم يكن على الإنسان مشقة، أما إذا كان مريضاً، أو كبير السن فلا حرج كونه يضع يديه؛ لأن الأرفق به أن يضع يديه قبل ركبتيه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم كفاه ثم جبهته وأنفه].

وهذا هو المختار والمستحب إن تيسر، وهذه هي الأعضاء السبعة التي لا بد أن يحرص المصلي أن يسجد عليها، وهي يديه وركبتيه، وأطراف القدمين، والجبهة والأنف، فلو رفع واحداً منها من أول السجود إلى آخره لم يصح السجود، لكن لو رفع عضواً منها في بعض السجود ثم أعاده فلا شيء عليه.

وكل هذا من باب الاستحباب، والأمر فيه سعة والحمد لله، ولا ينبغي التشدد في مثل هذا الأمر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجافي عضديه عن جنبه وبطنه عن فخذيه، ويجعل يديه حذو منكبيه].

والسنة المجافاة: وهي أن يجافي عضديه عن جنبيه، ويجافي بطنه عن فخذيه، ويجافي فخذيه عن ساقيه، ويجعل يديه حذو منكبيه، أي: يجعل اليدين تحاذي المنكبين مثل رفع التكبير فتضع يديك حذو المنكبين، ويكون الرأس بين اليدين.

وعلى هذا فلا يشرع مد الصلب مداً طويلاً كما يفعل بعض الشباب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان في مد صلبه بل يجب أن يفعل كفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يجافي حتى لو مرت بهيمة بين جنبيه لدخلت.

أما بالنسبة للمرأة فإن الفقهاء يقولون: تضم نفسها، أي: لا تجافي؛ لأنها عورة، لكن ظاهر الأحاديث أنها كالرجل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكون على أطراف قدميه].

أي: يثنيهما حتى يستقبل المصلي بأطراف القدمين القبلة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقول: سبحان ربي الأعلى.

ثلاثاً].

ومن السنة أن يقول المصلي: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً، وتجزئ الواحدة، وأعلاها في حق الإمام عشر، فقد كان يحسب للنبي صلى الله عليه وسلم عدد تسبيحات الركوع والسجود، كما وصف أنس صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنها عشر تسبيحات مع التدبر، وكان يطيل هذين الركنين، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، وقف حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود قال: رب اغفر لي، وجلس حتى يقول القائل: قد نسي، الملاحظة أن بعض الأئمة لا يطيل في هذين الركنين، بل يقصر ولا سيما الأحناف؛ لأن الأحناف يخلون بالركنين، فما أن يتم الإمام قوله: سمع الله لمن حمده، حتى يهوي قائلاً: الله أكبر، ولا يستتم قائماً، وكذا في الجلوس بين السجدتين ما إن يتم قوله: الله أكبر رب اغفر لي، حتى يكبر للسجدة الثانية من دون طمأنينة، وهذا الفعل غير صحيح بل ينبغي الطمأنينة في هذين الركنين وعدم العجلة.

وإذا أفرط المصلي في ترك الطمأنينة بطلت الصلاة، إذ لا بد منها في كل ركن، والطمأنينة: هي السكون والركود حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، لكن إذا وجد أدنى طمأنينة حصل الركن.

لا يوجد شك، قال الإمام أحمد رحمه الله في رسالة الصلاة صليت بمائة مسجد في الصف الأول فما وجدت أحداً يقيم صلاة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أخشى أن يكون هذا الزمان الذي جاء فيه الحديث، (يأتي زمان على الناس يصلون ولا يصلون)، أي: يصلون صلاة صورية ولا يصلون صلاة حقيقة، فكيف بالقرون المتأخرة؟ وعندما يسجد المصلي ينبغي أن يفرق بين قدميه، أي: ينزل بينهما فرقاً يسيراً، فقد جاء عن عائشة أنها قالت: (فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت يدي على قدميه)، وبه استدل بعضهم على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفرق بينهما، وهذا لا يدل على أنهما متلاصقتين؛ لأن يدها قد تمس القدمين كل واحدة على حدة وإن كان بينهما فرجة.

مداخلة: إذا كان المصلي خلف الإمام، فهل يقدم الطمأنينة على المتابعة؟ الشيخ: إذا كان لا يطمئن الإمام فإن الصلاة غير صحيحة إذ إن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، فإذا كان لا يستطيع أن يطمئن قائماً، ولا يستطيع أن يطمئن في السجود حتى يعود كل مفصل إلى موضعه أو في الركوع فإن الصلاة باطلة، وعلى ذلك تقدم الطمأنينة.

لكن لا أظن -إن شاء الله- أن يوجد مثل هذا، وإن وجد فهو قليل.