[ما ينتفع به من الرهن وما يضمن]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا ينتفع المرتهن بشيء منه إلا ما كان مركوباً أو محلوباً، فللمرتهن أن يركب ويحلب بمقدار العلف].
أي: لا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن إلا ما كان مركوباً فمثلاً: السيارة في مقابل البنزين، والعناية بها، وتغيير الزيت إذا احتاج، ويركب الدابة ويحلبها في مقابل العلف، فالمركوب يركب في مقابل النفقة عليه، والمحلوب في مقابل علفه، أما ما عدى ذلك فلا يستعمله كالدار فلا يؤجره، فإن أجره فالإجارة تكون للراهن؛ لأنها لا تحتاج إلى مقابل، لكن الدابة لابد من نفقة فهو ينفق عليها ويشرب حليبها، أو ينفق عليها ويركبها وفي الحديث: (لبن الدر يشرب بنفقته إذا كان محلوباً والظهر يركب إذا كان مركوباً).
قال: [وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه، لكن يكون رهناً معه].
أي: للراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه، فأجرة الدار للراهن، وكذلك أيضاً النماء، فلو ولدت الدابة تكون للراهن، كذا لو سمنت؛ لأنها لو تلفت تكون عليه، فكذلك إذا حصل فيها نماء فإنها تكون له.
وإذا ولدت الدابة يكون ولدها رهناً معها، والجميع للراهن.
قال: [وعليه غرمه من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات].
أي: عليه غرمه ومؤنته يعني: حفظه وكذلك كفنه، كما لو كان عبداً ومات فإن كفنه على الراهن، وكما أنه له غنمه فعليه غرمه، وإذا احتاج إلى نفقة فإنها تكون عليه، إلا إذا كان يركب أو يحلب فينفق عليها بقدر الركوب أو الحليب، وما عدى ذلك يكون كل هذا على الراهن.
قال: [وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاد فعليه قيمته تكون رهناً مكانه].
أي: إذا أتلف الراهن الرهن، فإن كان عبداً ثم أعتقه أو أتلفه، يلزمه بأن يدفع رهناً مكانه توثقة لدين المرتهن.
قال: [وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه].
أي: وإن جنى الخصم على العبد المرهون أو على الدابة المرهونة، كأن اعتدى على الدابة بكسر عظم أو على العبد بكسر عضو من أعضائه، اتفق معه على أنه يدفع له مثلاً عشرة آلاف أو خمسة آلاف مقابل الجناية ويقبضها الراهن وتكون رهناً معه، فيكون العبد وما سلم له مقابل الجناية رهناً.
قال: [وما قبض بسببه فهو رهن].
أي: يكون رهناً معه.
قال: [وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته].
وهذه المسألة عكس الأولى وهي: وإن جنى العبد المرهون على شخص فقتله فالمجني عليه أحق أن يأخذه برقبته، فلو جنى العبد على حر فقطع يده ودية اليد نصف الدية، ولما قدرنا العبد صار يساوي نصف الدية فيسلم الرهن للمجني عليه، ويأخذ العبد والراهن يضع قيمته مكانه.
أي: وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته، وقدم على حق المرتهن لأنه فداؤه؛ فهو قد اعتدى على نفس والفداء مقدم، فيقدم على المالك، فأولى أن يقدم على المرتهن ولسيده فداؤه.
ولو جنى العبد وهو غير مرهون تؤخذ الجناية من رقبته، فإذا كان مرهوناً أخذ من باب أولى، فيؤخذ إذا كان في ملك المالك، فإذا كان توثقة للمرتهن فمن باب أولى؛ لأن التوثقة أقل من الملكية.
قال: [فإن فداه فهو رهن بحاله، وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن].
أي: فإن فداه ودفع قيمته يبقى رهناً بحاله، وإن لم يفده فالظاهر أنه يجعل شيئاً قيمته مكانه فإن كان أرش الجناية أكثر من ثمنه فطلب المجني عليه تسليمه للبيع وأراد الراهن فداءه فله ذلك؛ لأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه، ولسيده الخيار بين أن يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه، وبين أن يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته فلو قدرت الجناية بعشرة آلاف، وثمن العبد لا يساوي إلا ثمانية آلاف، فالمجنى عليه يأخذ العبد والباقي دين عليه، أما إذا كانت الجناية ثمانية آلاف وثمنه عشرة آلاف فإن الولي مخير بين أن يسلمه ثمانية آلاف ويبقى الرهن، أو يسلمه العبد فيبيعه ويأخذ حقه ويسلمه ألفين.
قال في الشرح: فإن فداه فهو رهن بحاله؛ لأن حق المرتهن لم يبطل وإنما قدم حق المجني عليه بقوته، فإذا زال ظهر حق المرتهن، وإن سلمه بطل الرهن.
وظاهره أنه لا يضع قيمته مكانه؛ لأنه ما تسبب، فإذا كان العبد هو المتسبب والمالك لا يعلم ذلك يسلم العبد ويبطل الرهن.
وإذا أحل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه، أي: إذا حل الدين ولم يوفه الراهن الدين يباع الرهن من قبل الحاكم، فيقدم صاحب الدين شكوى للحاكم الشرعي أو القاضي فيباع الرهن ويستوفي حقه، فإن كان مماثلاً لحقه سلمه إياه، وإن كان ثمنه أكثر أخذ حقه والباقي يرده على الراهن، وإن كان أقل سلم له قيمته والباقي يبقى في ذمة الراهن.
قال: [وإذا شرط الرهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه، وأبى الضمين أن يضمن، خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين].
أي: إذا باع سلعة وشرط فيها رهناً أو كفيلاً، وامتنع الراهن أو الضمين لهذا الشرط، خير المشتري: فإن أحب أن يبقى بدون رهن أو ضمين، وإلا فسخ البيع.
والمماطل يحبس حتى يسلم ما عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)، فيقول صاحب الحق: ظلمني حقي، أما عقوبته: فإنه يحبس حتى يسلم.
وإذا كان مماطلاً وله كفيل فيطالب الكفيل بإحضاره، فلو حضر المماطل أمر بأن يسلم وإلا يحبس مادام أنه مماطل.
ومن التزم بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه؛ لأنه ضامن فيلزم أن يحضره وإلا سلم ما عليه.
وإذا التزم بإحضاره وضمان ما عليه التزم بالأمرين.
وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه للضرورة.