[الأقوال الواردة في قراءة المأموم للفاتحة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم يقرأ الفاتحة، ولا صلاة لمن لم يقرأ بها إلا المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه].
ولا بد لكل مصل أن يقرأ الفاتحة، سواء كان إماماً أو منفرداً، ومن لم يقرأها في كل ركعة لم تصح صلاته، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، ولا بد أن يأتي بها كاملة بحروفها، وهي إحدى عشرة شدة، إذا أسقط حرفاً من حروفها بطلت الصلاة، ولا بد أن يأتي الإمام بالفاتحة فإنها ركن في حقه، أما المأموم فقد اختلف العلماء في حكمها، فقال جمهور العلماء: إنها تسقط عن المأموم ويكتفي بقراءة الإمام ولا سيما في الصلاة الجهرية، وقال آخرون: يقرأ في السرية ولا يقرأ في الجهرية، وقال آخرون: إن قراءة الفاتحة مستثناة ولا بد من قراءتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فتكون مستثناة من الأمر بالإصغاء للإمام، والأقرب أن يقرأها المأموم ولو في الجهرية فإن سكت الإمام قرأها مترسلاً، وإلا سردها، لما جاء في الحديث أن النبي قال: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قالوا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، وهو حديث سنده جيد وهو من حديث عبادة بن الصامت، فتكون الفاتحة على الصحيح مستثناة من قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:٢٠٤]، وقد أجمع العلماء على أن هذا الأمر بالإصغاء تدخل فيه الصلاة، فيجب الإنصات إلا عند قراءة الفاتحة، وفي صحيح مسلم في الحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا)، يستثنى منه الفاتحة وتكون الفاتحة مستثناة ويقرؤها المأموم.
ومن قال: يقرأ في السرية والجهرية، استثنى فيما إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه في هذه الحالة لحديث أبي بكرة أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف، ثم دب دبيباً حتى دخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، أي: لا تعد فتركع قبل أن تدخل في الصف، ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل على أن الفاتحة تسقط عن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً.
وذهب آخرون من أهل العلم أنها لا تسقط حتى لو أدرك الإمام راكعاً، ويقضي هذه الركعة إذا لم يقرأ الفاتحة، وممن ذهب إلى هذا الإمام البخاري رحمه الله، وشدد في هذا وألف مؤلفاً خاصاً سماه (جزء القراءة).
فتكون الأقوال في هذا: القول الأول: تسقط عن المأموم مطلقاً سواء في السرية أو الجهرية، فلا يقرأ المأموم مطلقاً.
القول الثاني: يقرأ في السرية ولا يقرأ في الجهرية.
القول الثالث: لا بد من قراءتها في السرية والجهرية إلا أنها تسقط عن المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً.
القول الرابع: لا تسقط ولو أدرك الإمام راكعاً.
وأرجح هذه الأقوال كما تقدم هو أن المأموم يقرؤها في سكتات الإمام، فإذا لم يكن للإمام سكتات سردها، إلا إذا أدرك الإمام راكعاً فإنها تسقط عنه جمعاً بين النصوص.
ولا يدخل المسبوق في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)، فإنه معذور ولم يستطع قراءة الفاتحة، ولذا يتحملها عنه الإمام، وتسقط عنه في هذه الحالة، ومن لم يستطع قراءتها وجاء في آخر الركعة له حكم من أدرك الإمام راكعاً، وكذلك إذا نسيها فإنه يكون معذوراً؛ لأنها واجب مخصص، وكما لو قلد من يقول من أهل العلم بأن المأموم لا يقرأ في الجهرية فصلاته صحيحة؛ لأنها واجب مخصص أقل من الركن، بخلاف الإمام والمنفرد فهي ركن في حقهما، فلا تسقط مطلقاً.
والمسبوق الذي يجد الإمام ساجداً أو جالساً أو على أي حال فيدخل معه ولا ينتظر حتى يقوم إلى ركعة جديدة.
ومن تركها سهواً أو عمداً أو جهلاً بطلت صلاته، وإذا ترك الإمام في ركعة سقطت هذه الركعة وصارت الركعة التي بعدها عوضاً عنها، أما المأموم: فقد اختلف العلماء فيها على أقوال: منهم من قال أنها مستحبة في السرية والجهرية واستدل بحديث: (من كان له إمام فقراءته له قراءة)، لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم.
وقال آخرون: تجب في السرية وتستحب في الجهرية، وهذا مذهب الجمهور.
وقال آخرون من أهل العلم: إنها واجبة، لكنها واجبة واجباً مخصصاً، وليست ركن في حقه في الجهرية والسرية، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وقالوا إن هذا عام، وأنها مستثنى مخصص لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف:٢٠٤]، وقوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (وإذا قرأ فأنصتوا)، يعني: الإمام، فاستثنوا منه الفاتحة، واستدلوا بحديث: (لعلكم تقرءون خلف إمامكم، قالوا: نعم، يا رسول الله! قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)، وهو حديث لا بأس به من أحاديث البلوغ، فيكون مخصصاً للعموم، وهذا هو الأرجح، فيقرأها في سكتات الإمام إن كان له سكتات، وإن لم يكن له سكتات سردها، وهذا هو الأحوط.
فإذا جاء والإمام راكع سقطت، أو إذا جاء ولم يتمكن من قراءتها أو نسيها أو قلد من يقول بأنها ليست واجبة تسقط في حقه.