للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم ما لو تزوج الرجل كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ولو تزوج رجل كبيرة ولم يدخل بها وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة، وثبت نكاح الصغيرة].

فإذا تزوج شخص امرأتين كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة فإنه ينفسخ نكاح الكبيرة؛ لأنها صارت أم زوجته، وأم الزوجة تحرم عليه، وثبت نكاح الصغيرة؛ لأنه لم يدخل بأمها، ولا تحرم الربيبة إلا بالدخول وهو لم يدخل بها، وأما الأم فإنها تحرم بمجرد العقد، قال الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء:٢٣] ثم قال: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:٢٣] فاشترط في تحريم الربيبة الدخول، ولم يشترط هذا في أم الزوجة، فلو فرضنا أن إنساناً عقد على امرأة كبيرة ولم يدخل بها، ثم عُقد له على طفلة؛ لأنه رجل صالح ورأى والد الطفلة أن يزوجه حتى لا يفوت عليه الكفؤ والطفلة هذه التي تزوجها ترضع فجاءت زوجته الكبرى وأرضعتها خمس رضعات، حرمت الكبرى عليه؛ لأنها صارت أم زوجته ولم تحرم الصغرى؛ لأنه لم يدخل بأمها، فثبت نكاح الصغيرة وانفسخ نكاح الكبيرة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كانتا صغيرتين فأرضعتهما الكبرى حرمت الكبرى، وانفسخ نكاح الصغيرتين، وله نكاح من شاء من الصغيرتين].

أي: إذا عقد على ثلاث: كبيرة وطفلتين صغيرتين ثم أرضعت الكبرى الطفلتين كل واحدة منهما خمس رضعات فإنه في هذه الحال ينفسخ نكاح الكبرى؛ لأنها صارت أم زوجتيه، وكذلك الصغيرتان ينفسخ أيضاً نكاحهما؛ لأن فيه جمع بين الأختين، والجمع بين الأختين لا يجوز لا في الرضاع ولا في النسب، وحتى الإماء، فينفسخ نكاحهما، ثم بعد ذلك له أن يتزوج واحدة منهما.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كن ثلاثاً فأرضعتهن متفرقات حرمت الكبرى، وانفسخ نكاح المرضعتين أولاً، وثبت نكاح الثالثة].

أي: أنه عقد على أربع: كبرى وثلاث صغيرات، فأرضعت الكبرى الثلاث، لكن إرضاعها كان متفرقاً، فأرضعت اثنتين ثم بعد فترة أرضعت الثالثة، فإنه ينفسخ نكاح الكبرى؛ لأنها صارت أم زوجاته، وينفسخ نكاح الصغيرتين لأن فيه جمعاً بين الأختين، ويبقى نكاح الثالثة؛ لأنه لما انفسخ نكاح الاثنتين بقي نكاح الثالثة؛ لأن الثالثة لم يجمع بينها وبين غيرها، وانفسخ نكاح السابقتين لأنهما أرضعتا في وقت واحد، وأما الثالثة فأرضعت متأخرة، ولو كان إرضاع الثلاث في وقت واحد لانفسخ نكاح الثلاث.

وهنا ليس للصغيرة أن ترفض من تزويج الأب لها في هذه الحالة؛ لأن الأب له أن يزوج الصغيرة كما زوج أبو بكر عائشة رضي الله عنها، فهو كامل الشفقة، وما زوجها إلا لأن الزوج كفؤ.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معاً انفسخ نكاح الثلاث].

هذه صورة ثالثة، وهي: أن يعقد على أربع: كبيرة وثلاث صغيرات، فأرضعت الكبرى إحدى الصغيرات خمس رضعات انفسخ نكاح الكبرى، وبقي نكاح الصغرى، ثم أرضعت بعد ذلك الاثنتين الأخريتين في وقت واحد، ففي هذه الحالة ينفسخ نكاح الثلاث؛ لأن الثلاث أصبحن كلهن زوجات له في وقت واحد، ولا يجوز الجمع بين الأخوات؛ لأن أصلهن أخوات من الرضاعة، فينفسخ نكاح الثلاث، فالأولى بقي نكاحها عندما أُرضعت، فلما أرضعت الثانية والثالثة في وقت واحد صارت الثلاث أخوات وانفسخ نكاح الثلاث، ثم بعد ذلك له أن يختار واحدة منهن.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وله نكاح من شاء منهن منفردة].

أي: إذا انفسخ نكاح الثلاث الصغيرات فله بعد ذلك أن يتزوج واحدة منهن، وأما الكبرى فقد انفسخ نكاحها؛ لأنها صارت أم زوجاته، وأما الثلاث الصغيرات فله أن يتزوج أي واحدة منهن؛ لأنها لم يدخل بأمهن، فالأم تحرم بمجرد العقد، والبنت لا تحرم إلا بالدخول بأمها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه على الأبد].

قوله: (إذا دخل بالكبرى) أي: خلا بها وجامعها، حرمت زوجاته كلهن؛ لأنهن أصبحن ربيبات بمجرد الدخول بأمهن، فيحرمن عليه إلى الأبد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها فلها مهرها].

لا مهر لكبرى إذا كان لم يدخل بها؛ لأنها تسببت في إفساد النكاح، وإن كان دخل بها فإنه يستقر المهر كاملاً باستحلال فرجها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن كان قد دخل بها فلها مهرها وعليه نصف مهر الأصاغر يرجع به على الكبرى].

الأصاغر هن زوجاته الصغيرات اللاتي حرمن عليه وانفسخ نكاحهن؛ لأنهن أصبحن ربيبات له، فلهن نصف المهر؛ لأن المطلقة قبل الدخول لها نصف المهر، فكل واحدة منهن نصف المهر، ويرجع به على من غره وكانت سبباً في انفساخ النكاح، وهي الكبرى حيث أرضعتهن، فوجب لهن نصف المهر؛ لأنهن مطلقات قبل الدخول، وقد مر في الآية الكريمة أن المطلقة قبل الدخول لها نصف المهر.