للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط المؤذن وذكر مستحبات الأذان]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وينبغي أن يكون المؤذن أميناً، صيتاً، عالماً بالأوقات].

هذه صفات المؤذن أن يكون أميناً صيتاً عالماً بالأوقات.

أما كونه أميناً فلأنه مؤتمن على الناس، يخبرهم بدخول الوقت فيصلون، يعلمهم بدخول وقت الفجر فيلزم الصائم الامتناع عن الأكل، ويعلمهم بدخول وقت المغرب فيفطر الصائم، فلابد أن يكون أميناً، وصيتاً حتى يُسمع صوته، وعالماً بالوقت، فلابد من هذه الصفات أن تتوفر في المؤذن، فإذا كان ليس أميناً بأن كان غير ثقة فلا ينبغي أن يكون مؤذناً، وكذلك إذا كان صوته ضعيفاً لا يبلغ الناس، وكذلك إذا لم يكن عالماً بالأوقات لا يعرفها، بل لابد أن يكون له عناية بالأوقات، ولابد أن يكون صيتاً وأميناً، فهذه الصفات لابد من توافرها في المؤذن.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن يؤذن قائماً، متطهراً، على موضع عال، مستقبل القبلة].

وهذا من باب الاستحباب، فيكون قائماً على مرتفع، حتى يُسمع صوته، مثل: أن يكون قائماً على سطح المسجد، أو على منارة أما الآن فقد جاءت المكبرات.

ويكون متطهراً، أي: على طهارة، فلو أذن وهو على غير طهارة فلا بأس، ثم يذهب ويتوضأ، حتى ولو كان جنباً على الصحيح، لكن الأفضل أن يكون متطهراً متوضئاً، فلو أذن وهو على غير طهارة فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله.

وإن كان قائماً فهذا هو الأفضل، ولو أذن جالساً فقد حصل المقصود، ولكن خلاف الأفضل، وكذلك الأفضل أن يكون على مرتفع وعلى علو حتى يسمعه الناس وكل هذا من باب الاستحباب.

وكذلك يستحب أن يكون مستقبل القبلة، فلا يؤذن والقبلة عن يمينه أو عن شماله.

وأما أن يكون متطهراً فلما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤذن إلا متوضئ) رواه الترمذي، وروي موقوفاً على أبي هريرة والصواب: أنه لا يصح من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإن صح فهو موقوف.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً، ولا يزيل قدميه].

فيلتفت يميناً وشمالاً قائلاً: حي على الصلاة، حي على الفلاح، حتى يبلغ أهل جهة اليمين وأهل جهة الشمال، ولا يزيل قدميه عن مكانهما، يعني: لا يستدير وقال بعض العلماء: يستدير في الحيعلتين، والصواب: أنه لا يستدير، بل تكون قدماه ثابتتين، وإنما يستدير ويلتفت بعنقه وأما جسمه فيكون ثابتاً.

وأما في حالة وجود المكبرات الآن فالأولى ألا يلتفت؛ لأن الحكمة معروفة وهي التبليغ، وإذا التفت عند الأذان بالمكبر اختل الصوت وضعف، ومن قال: إنه يلتفت الشيء اليسير -يعني: عملاً بالسنة- فله وجه.

وفي الترمذي عن أبي جحيفة قال: قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم)، يعني: من جلد.

(وأذن بلال، فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً يقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح) متفق عليه، وفي لفظ: (ولم يتجه، وأصبعاه في أذنيه) رواه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

والحكمة واضحة في هذا، بأنه إذا وضع أصبعيه في أذنيه، فإنه أندى للصوت، فهذا يدعوه إلى أن يرفع صوته.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجعل أصبعيه في أذنيه، ويترسل في الأذان، ويحدر الإقامة].

وهذه هي السنة، أن يترسل، يعني: لا يسرع في الأذن؛ لأنه إعلام بدخول الوقت بل يكون ساكناً، فيقول: الله أكبر، ثم يسكت قليلاً، ثم يقول: الله أكبر، والأولى ألا يقرن بين التكبيرتين كما يفعل بعض المؤذنين قائلين: الله أكبر الله أكبر، وإن فعل هذا فلا حرج، ولكن الأفضل أن يقف على رأس كل جملة وأن يقرأ كل جملة مستقلة، وأما الإقامة: فإنه يحدرها، ويسرع فيها؛ لأنها إعلام بإقامة الصلاة للحاضرين، بخلاف الأذان فإنه إعلام بدخول الوقت للغائبين ولمن لم يكن في المسجد، ولهذا أمر بلال أن يترسل في الأذان وأن يحدر الإقامة، ومعنى يحدر أي: يسرع.

فالأصل أن يقف على جمل الأذان، كما أن الأفضل في قراءة القرآن الوقوف على رأس كل آية.

وأظن أن من المسائل التي يقع فيها بعض المؤذنين بسبب الجمع بين الجمل أن بعضهم يلحن الأذان، ويطرب به وبعضهم أيضاً يجعل التكبيرتين غير متناسبتين، فالتكبيرة الأولى يسرع فيها، والثانية يمدها، وينبغي أن تكونا متناسقتين، أما أن يسرع في التكبيرة الأولى، ويمد التكبيرة الثانية فإن هذا ناشئ عن الجمع بين التكبيرتين، وإذا ترسل، وفصل كل تكبيرة عن الأخرى فلن يكون هناك داعياً لأن يخالف بين التكبيرتين، فيكون الصوت متناسباً.

قال المؤلف رحمه الله: [ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم، مرتين].

وهذا خاص في أذان الفجر، وليس في الأذان الأول الذي ينادى به كما يظن بعض الناس، فبعض الناس يظن أن (الصلاة خير من النوم) تقال في الأذان الأول، والأذان الأول إنما هو للتنبيه، وقد تكون الصلاة خير من النوم وقد لا تكون في ذلك الوقت؛ لأنه قد يكون الإنسان محتاجاً في ذلك الوقت للنوم، ولكن الفريضة على الإطلاق خير من النوم، بلا شك، ولكن بعض الناس تعلق بما جاء في بعض الروايات أنه جعل الصلاة خير من النوم في الأذان الأول، والمراد بالأذان الأول في هذه الروايات: هو الأذان الذي يؤذن به في صلاة الفجر، والأذان الثاني هي: الإقامة؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً ثانياً، والأذان الأول إعلام بدخول الوقت، والثاني إعلام بإقامة الصلاة، ويدل على هذا حديث: (بين كل أذانين صلاة)، يعني: بين الأذان والإقامة فتسمى الإقامة أذاناً.

إذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم، فيقول المستمع الصلاة خير من النوم؛ فقد جاء في الحديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول).

وفي لفظ: (إلا في الحيعلتين تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله) فإذا قال: حي على الصلاة، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، أما إذا قال: الصلاة خير من النوم، فقل: الصلاة خير من النوم، وذكر بعض الفقهاء كالحنابلة وغيرهم أنه إذا قال: الصلاة خير من النوم فيقول: صدقت وبررت، ولكن هذا اجتهاد ليس عليه دليل والحديث عام: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)، ولم يستثن إلا في الحيعلتين.

وكذلك عليه أن يجيب في الإقامة على الصحيح؛ لأنها أذان ثانٍ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)].

يعني: لا يجوز الأذان قبل الوقت في الأوقات الأربعة: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويحرم الأذان قبل دخول الوقت، إلا للفجر خاصة فإنه يجوز له أن يؤذن قبل الوقت، لكن بشرط أن يؤذن مرة أخرى إذا دخل الوقت، أو يكون معه مؤذناً آخر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فحتى لا يغر الناس إذا أذن قبل الفجر، فلابد أن يؤذن مرة أخرى بعد دخول الفجر، أو يكون معه مؤذن آخر حتى لا يغر الناس، أما الأوقات الأربعة الأخرى فلا يؤذن لها إلا بعد دخول الوقت.

ولا يجوز قبل الوقت أبداً ولا بشيء يسير؛ لأن هذا أولاً: لا يجوز، وهو محرم؛ لأنه ما دخل وقت الصلاة، فهو إخبار بغير الواقع، فينادي: حي على الصلاة قبل دخول الوقت.

وثانياً: أنه يترتب على هذا أنه ربما بادر المريض وصلى، أو امرأة فصلت في بيتها قبل دخول الوقت، فيترتب على ذلك مفاسد، وربما أفطر أيضاً الصائم قبل دخول الوقت، فلابد أن يتحقق، وإذا كان عنده شك فليصبر.

وإذا أفطر الصائم على هذا قبل دخول الوقت فالمسألة فيها تفصيل، فإن كان يغلب على ظنه أن الوقت قد دخل فصومه صحيح، وأما إن كان يغلب على ظنه عدم دخول الوقت، أو يشك في دخول الوقت فيقضي هذا الصوم؛ لأن الأصل بقاء النهار فيقضي هذا اليوم.

وكذلك الأذان الثاني الذي بين يدي الإمام في يوم الجمعة وهذه المسألة فيها كلام لأهل العلم، وينبغي أن يكون الأذان الثاني بعد دخول الوقت، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وأنه لا تصح صلاة الجمعة إلا بعد دخول الوقت، حتى إن البخاري رحمه الله جزم في ترجمته بأن الأذان بعد دخول الوقت، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل إذا انتصف النهار، وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

فلا تصح الجمعة إلا بعد دخول الوقت، وذلك لأن جمهور العلماء يرون أنها لا تصح الصلاة والجمعة إلا بعد الأذان، هذا أولاً.

وثانياً: أن هذا فيه فتح باب للكسالى من الذين يفتحون البقالات والمحلات التجارية وقت الصلاة، وإذا سئل عن ذلك قال: صليت مع الخطيب المبكر، ومع الإمام المبكر ومع هذا لا يزال بعض الخطباء يصرون على الأذان قبل دخول الوقت، مع أن أكثر العلماء يرون أن الصلاة غير صحيحة وإن كان الصواب أن صلاة الجمعة تصح قبل دخول الوقت؛ لأنه جاء في الأحاديث في السنن ما يدل على جوازها وهو مذهب الحنابلة وغيرهم ولكن مع هذا كله ينبغي الاحتياط، خاصة وأن أكثر العلماء وجماهير العلماء على أنها لا تصح إلا بعد دخول الوقت فإذا دخل الوقت على التقويم، وعلى العادة يؤذن المؤذن وإلا الصواب: أنها تصح قبل دخول الوقت.

وأما الأذان الذي هو قبل دخول الوقت فهو للتنبيه، ولا بد أن يكون كافياً فإنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان إلا أذاناً واحداً، وهو الأذان الذي بين يدي الإمام، فلما كثر الناس أمر عثمان مؤذناً أن يؤذن على الزوراء لينبه الناس.

وأما أن يكون الأذان الثاني مقارباً للأذان الأول فلا يحصل المقصود