[صلاة الخسوف والكسوف]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: صلاة الخسوف، فإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة إن أحبوا جماعة وإن أحبوا أفراداً].
إذا كسفت الشمس وخسف القمر يشرع للمسلمين أن يصلوا صلاة مستحبة، بل يتأكد في حقهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فافزعوا إلى الصلاة)، وظاهر الأمر الوجوب، فرادى أو جماعة، رجالاً ونساء.
وينادى لها: الصلاة جامعة! الصلاة جامعة! وهل يعمل بالجرائد والصحف والإعلانات اليوم؟ الجرائد لا يعمل بها؛ لأنه قال: (فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة) فالمراد إذا رأيتها بالعين المجردة، ولا تتكلف كما يفعل بعض الناس اليوم، فيأتي بزجاجة وينظر إلى الشمس، لا داعي لهذا، بل إذا رأيت الخسوف أو الكسوف بعينك فإنك تصلي، ولابد أن ترى بعينك، أما مسألة الإعلان فهذا قد يحصل وقد لا يحصل؛ لأنهم الآن يدركون هذا بالحساب، لكن قد يخطئ الحاسب، فهي مثل أخبار بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب؛ لأنهم أحياناً يخبرون فيقولون: تكسف الشمس ولا يحصل كسوف وأحياناً يحصل، فهم يخطئون في الحساب، كما قال شيخ الإسلام وابن القيم: فإذا كان الحاسب جيداً أدركه، وإذا كان الحاسب غير جيد فقد يخطئ.
المقصود: أن كلام الجرائد ما عليه العمل، إنما ينظر الإنسان بعينه إلى الشمس والقمر، فإذا رآها كسفت صلى، والرؤيا تكون بالعين المجردة بدون تكلف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا ما كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة إن أحبوا جماعة، وإن أحبوا أفراداً، فيكبر ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون التي قبلها، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يقوم فيفعل مثل ذلك فتكون أربع ركعات وأربع سجدات].
هذه صلاة الكسوف، تصلى أربعة ركوعات وأربع سجدات في ركعتين، ففيها زيادة ركوع عن الصلاة المعروفة، فيكبر ثم يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع ويقرأ الفاتحة مرة أخرى، ثم يقرأ سورة طويلة إلا أنها دون القراءة الأولى، ثم يركع ركوعاً طويلاً، وهذا الركوع الثاني لكنه دون الركوع الأول، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم للثانية ويقرأ الفاتحة وسورة إلا أنها دون القراءة التي قبلها، ثم يركع ركوعاً دون الركوع الذي قبله، ثم يرفع رأسه ويقرأ الفاتحة وسورة إلا أن القراءة دون القراءة التي قبلها، ثم يركع ركوعاً دون الركوع الذي قبله، فتكون أربع ركعات في أربع سجدات، فهذا هو الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم في الأحاديث الصحيحة.
وجاء أيضاً في صحيح مسلم في صفة صلاة الكسوف أنه ركع في كل ركعة ثلاثة ركوعات.
وجاء في حديث آخر أربعة ركوعات في كل ركعة، فيكون قد ركع ثمان مرات.
وجاء في حديث آخر خمسة ركوعات، ومن العلماء من قال: إنها ثابتة، وإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في المدينة عشر سنوات.
والمعروف عند العلماء أنه ما كسفت الشمس إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم عليه السلام، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن ما عدا صلاة ركعتين في كل ركعة ركوعان يكون حكمه شاذاً.
وقال آخرون من أهل العلم: يمكن هذا وليس ببعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام مدة طويلة عشر سنوات، فيحمل على أنه تكرر الكسوف مرات، وأنه صلى مرة في كل ركعة ثلاثة ركوعات، وفي كل ركعة ركوعين، وفي مرة أربعة ركوعات، وفي مرة خمسة ركوعات.
لكن المعروف عند الجمهور أن ما زاد على ركوعين فهو شاذ؛ لأن هذا هو الذي اتفق عليه الشيخان وقالوا: إن الشمس لم تكسف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم عليه الصلاة السلام.
وهل يصلى الكسوف إذا كسف القمر ولو بعد الفجر؟ من العلماء من قال: إنه من بعد الفجر يزول سلطان القمر، فلا يصلى إلا إذا كان الكسوف مبكراً، وقال بعض أهل العلم: إنه قد يصليها قبل الفجر، أو أنه يبكر بالفجر ويصليها بعدها، أما إذا كان متأخراً فلا، وكان بعض الناس يصلون الكسوف والشمس قد طلعت وهذا لا يصلح؛ لأنه قد زال الليل كله وزال القمر، وظهر سلطان الشمس.
ولا يدرك المؤتم الركعة الأولى من صلاة الكسوف إلا إذا أدرك الركوع الأول، فإن فاته الركوع الأول يقضي تلك الركعة كاملة.