للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم لبن الفحل وصور ذلك]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولبن الفحل محرم، فإذا كان لرجل امرأتان].

هذا هو الصواب: أن لبن الفحل يحرم، والمراد بالفحل الزوج الذي له اللبن، فكما أن رضاع الصغير من المرأة يحرم فكذلك لبن الفحل يحرم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة)، وذلك لما دخل وعندها رجل كما في الصحيح.

ولما ثبت في الصحيحين: (أن أفلح أخا أبا القعيس استأذن على عائشة فأبت أن تأذن له وكان عمها من الرضاعة، فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذني له فإنه عمك)، وكذلك حفصة أيضاً أذن لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يدخل عليها)، فدل على أن لبن الفحل يحرم، وذلك أن حرمة الرضاع كما سبق أن ذكرنا تنتشر في المرضعة التي أرضعت الطفل وأقاربها، فإذا أرضعت امرأة طفلاً في الحولين خمس رضعات فإن المحرمية تثبت بذلك، فتصير أماً له من الرضاع، ويصير أبناؤها وبناتها إخوة له من الرضاع، ويصير إخوتها أخوالاً له من الرضاع، ويصير أبوها جده من الرضاع، وكذلك تنتشر الحرمة في الرضيع الذي ارتضع وأبناءه وبناته، فيصير هو ابناً للمرضعة، وتصير بناته وأبناؤه محارم لها، وتنتشر الحرمة في الزوج الذي له اللبن، فيكون الزوج الذي له اللبن أباً للرضيع الذي ارتضع خمس رضعات، وأبوه جداً للرضيع، وإخوته أعماماً للرضيع، وأبناؤه وبناته إخوة للرضيع، فأبناؤه وبناته من المرضعة إخوة أشقاء، وأبناؤه وبناته من غير المرضعة إخوة من الرضاع من الأب، وأما إخوة الرضيع من النسب، وأخواته من النسب، وأبوه من النسب، وأمه من النسب فلا علاقة لهم بالرضاع، فيجوز أن يتزوج أخوه من النسب أخته من الرضاع كما سبق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولبن الفحل محرم، فإذا كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلاً والأخرى طفلة صارا أخوين؛ لأن اللقاح واحد].

إذا كان للرجل زوجتان أرضعت إحداهما طفلاً والأخرى طفلة صارا أخوين؛ لأن اللبن للزوج، فهما إن كانتا امرأتين لكن اللقاح واحد، فاللبن للزوج، ويكونا أخوين من الرضاعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتاً له دونهما، فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها، ولزمه نصف مهرها، ويرجع به عليهما أخماساً، ولم ينفسخ نكاحهما].

أي: إن كان للرجل زوجتان فأرضعت إحدى الزوجتين طفلة ثلاث رضعات، وأرضعتها الثانية رضعتين فتم لها خمس رضعات ثبتت الأبوة للزوج؛ لأن اللبن له، ولم تثبت الأمومة لواحدة منهما؛ لأن كل واحدة منهما لم ترضعها العدد الذي تصير به أماً لها، ولو عقد على طفلة وهي صغيرة ثم رضعت من زوجتيه خمساً انفسخ نكاحها؛ لأنها صارت بنتاً له، وإذا كان أمهرها مثلاً عشرة آلاف فإنه يكون لها خمسة آلاف؛ لأنها مطلقة قبل الدخول، والمطلقة قبل الدخول بها لها نصف المهر، فنقول له: زوجتك هذه انفسخ نكاحها وصارت بنتاً لك، وعليك أن تدفع نصف المهر، وترجع على من غرك، واللتان غرتاه هما زوجتاه، فيأمر الزوجة التي أرضعتها ثلاث رضعات أن تدفع ثلاثة آلاف، والزوجة التي أرضعتها رضعتين أن تدفع ألفين؛ لأنهما تسببا في إفساده عقده، فتثبت الأبوة ولم تثبت الأمومة، وأما إذا لم تكن زوجة له فلا إشكال، لكن لو كانت هذه الطفلة زوجته فإنه يترتب عليها هذه الأحكام.

هذا قول، والقول الثاني أو الوجه الثاني: أنه إذا لم تثبت الأمومة فلا تثبت الأبوة، وعلى هذا فلا يترتب عليه شيء.

وهذا القول إنما هو بناء على أن لبن الفحل يحرم.

قوله: (وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتاً له دونهما فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ولزمه نصف مهرها ويرجع به عليهما أخماساً).

قوله: ثلاثة أخماس أي: أن نصف المهر يكون على التي أرضعتها ثلاث رضعات، والخمسين على التي أرضعتها رضعتين، وهذا كما سبق أنه إذا كان النصف خمسة آلاف فإن الأولى تدفع ثلاثة آلاف، والثانية ألفين.

قوله: (ولم ينفسخ نكاحهما).

أي: ولم ينفسخ نكاح كل واحدة؛ لأن كل واحدة منهما لم ترضعها خمس رضعات، فلم تم الرضاع، فتبقى كل واحدة منهما زوجة له؛ لأنه لم ثبتت لهما الأمومة، فلا ينفسخ نكاحهما، لكن ينفسخ نكاح البنت الصغيرة؛ لأنها تم لها خمس رضعات.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات: ثلاثاً من لبنه، واثنتين من لبن غيره صارت أماً لها، وحرمتا عليه، وحرمت الطفلة على الرجل الآخر على التأبيد].

هذه صورة أخرى وهي: إذا أرضعت امرأة الطفلة من لبن رجل ثلاث رضعات، ثم طلقها زوجها واعتدت، ثم تزوجت بزوج آخر وحملت، ثم أرضعت تلك الطفلة الأولى رضعتين، فالثلاث الرضعات الأولى من الزوج السابق، والرضعتان الأخيرتان من الزوج الثاني، فتتم لهذه الطفلة خمس رضعات، فتثبت الأمومة لهذه المرأة فتصير أماً لها، وتحرم هذه الطفلة على الزوج الأول والزوج الثاني على التأبيد؛ لأنها صارت ربيبة لهما.

قوله: (ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات إلخ).

أي: ثلاث من لبنه وبعدما طلقها تزوجت زوجاً آخر في السنة الثانية فأرضعتها رضعتين، فيتم لها خمس رضعات؛ ثلاث من لبن الزوج الأول، ورضعتين من لبن الزوج الثاني، فتصير أماً لها.

قوله: (وحرمتا عليه، وحرمت الطفلة على الآخر على التأبيد).

أي: حرمتا على الزوج الأول؛ لأنها صارت أم زوجته، هذا إذا كانت الطفلة زوجة له، وتصير الطفلة ربيبته، فلا يجوز لهذا أن يتزوج هذه المرأة الكبيرة ولو طلقها زوجها الثاني، وحرمت الطفلة على الزوج الثاني أيضاً؛ لأنها صارت ربيبته، فهي بنت زوجته، فقد ثبتت البنوة لها وإن كانت تلك المرأة لم ترضعها من لبنه إلا رضعتين، وأرضعتها من لبن الزوج الأول ثلاث فثبت أنها بنت زوجته، فصارت ربيبة للزوج الثاني فتحرم عليه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن لم تكن الطفلة امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة].

أي: أن الصورة السابقة إنما هي فيما إذا كانت البنت الصغيرة زوجة له، وأما إذا لم تكن زوجة له فليس هناك محظور في ذلك، ولا ينفسخ نكاح الزوجة؛ لأن الطفلة أجنبية، وأما ما سبق فإنه يتصور إذا كانت الطفلة الصغيرة قد عقد عليها وهي صغيرة ترضع، وقد سبق هذا المعنى في كتاب النكاح، وذكرنا أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة إذا خاف فوات الكفؤ، ولا إذن لها في هذا، فقد زوج أبو بكر رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة، وهذا خاص بالأب.

وجاء عن بعض السلف أنه تزوج امرأة صغيرة وهي في النفاس، وقال: إن مت ورثتني، وإن عشت فهي زوجتي.

فهذه الطفلة الصغيرة كانت زوجة له ولكنها حرمت عليه بسبب الرضاع من زوجته.

إذاً: فهذه المرأة الكبرى في هذه الصورة انتقلت إلى زوج آخر، وصارت أماً لزوجته، فلا تحل للزوج الأول حتى ولو طلقها الزوج الثاني، وهذه البنت صارت ربيبة له فلا يجوز نكاحها، وحرمت البنت على الزوج الثاني؛ لأنها ثبتت بنوتها لزوجته فصارت ربيبة له.