[ما جاء في اللقطة]
قال المؤلف رحمه الله: [باب اللقطة وهي على ثلاثة أضرب: أحدها: ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به من غير تعريف؛ لقول جابر: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به).
الثاني: الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل ونحوهما فلا يجوز أخذها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال: (ما لك ولها؟ دعها، معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها) ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه ولم يبرأ إلا بدفعه إلى نائب الإمام.
الثالث: ما تكثر قيمته من الأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع فيجوز أخذه، ويجب تعريفه حولاً في مجامع الناس، كالأسواق وأبواب المساجد، فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة، ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه أو مثله إن كان قد هلك].
اللقطة هي: المال الضائع الذي لا يعرف صاحبه.
فإذا وجد إنسان مالاً ضائعاً لا يعرف صاحبه فهو على أحوال ثلاث: الحالة الأولى: أن يكون هذا الملتقط شيئاً حقيراً لا قيمة له، كالسوط والعصا والحبل والريال والخمسة الريالات مثلاً، فهذه يلتقطها وينتفع بها ولا شيء فيها.
الحالة الثانية: أن يكون الملتقط حيواناً يمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل، فهذه يتركها ولا يأخذها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لما سئل عن لقطة الإبل احمر وجهه وقال: دعها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر) أي: لا يضرها شيء، وتستطيع أن تصبر فالبعير يصبر على الماء مدة طويلة وينفر عن صغار السباع كالذئب وغيره، اللهم في حالة الإرهاق كأن يكون في أرض مسبعة ولا يستطيع الامتناع لكثرة السباع، فينقله من المسبعة إلى مكان آخر ولا يأخذه فإذا التقطه في هذه الحالة فإنه يضمنه ولا تبرأ ذمته إلا بأن يسلمه إلى نائب الإمام.
الحالة الثالثة: الأثمان والأمتعة التي لها قيمة في همة أوساط الناس، كأن يجد دراهم كثيرة، وكذلك الحيوان الذي لا يمتنع من صغار السباع كالشاة والماعز التي لا تستطيع أن تقاوم السباع، فإنه يلتقطها في هذه الحالة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لما سئل عن لقطة الشاة قال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) يعني: أن تأخذها أو يأكلها الذئب، فهذه يعرفها سنة في مجامع الناس في الأسواق ويعلن عنها أو يوكل شخصاً يعلن عنها في مجامع الناس في الأسواق وعند أبواب المساجد وعليه أن يعرف صفتها ويضبطها ويسجل عنده أوصافها ولا بد أن يعرف عددها وعفاصها، وهو: الوعاء التي هي فيه ويعرف وكاءها، وهو: الرباط المربوطة فيه فإذا جاء طالبها وعرف عددها وصفتها ووكاءها دفعها إليه، وإلا فلا يعطيه، فإن جاء طالبها قبل تمام الحول فيدفعها إليه وإن انتهى الحول فإنه يملكها بعد ضبط أوصافها، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر ولو بعد سنة أو سنتين فيدفعها إليه، وإن لم يأت أحد فهي له وينتهي تعريفها بانتهاء الحول، وأما لقطة الحرم فلا يزال يعرفها مدى الدهر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس: (ولا تلتقط لقطتها إلا لمنشد)، وإذا كان هذا الملتقط يحتاج إلى نفقة كالشاة التي يخشى عليها أن تهلك أو تحتاج إلى علف، والتي ربما ينفق عليها أكثر من ثمنها فإن الملتقط بين أحد أمرين: إما أن يسجل أوصافها ثم يبيعها ويحفظ الثمن، وله أن يذبحها ويأكلها ويسجل ثمنها، فإذا جاء طالبها دفع إليه ثمنها؛ لأنه إن رباها وأنفق عليها فإنه يتضرر.
فإذا جاء صاحبها وعرفها ففليس هناك حاجة إلى تحليفه، فإن لم يعرفها فلا يدفعها إليه.
وإن لم يستطع أن هو يعرفها فوكل أحداً يعرفها، ويضبطها وإذا تم الحول فهي له.
وإذا كانت اللقطة لا قيمة لها في أوساط الناس فلا بأس أن يتصدق بها وإن جاء طالبها يوماً خيره.
ولو وجد اللقطة في عرفة فعليه أن يعرفها في السنة في عرفة وفي المشاعر وفي مكة؛ لأن الحاج يأتي عرفة، وينتقل بين المناسك فإن لم يجد صاحبها عرفها في السنة القادمة، والآن هناك لجان للاهتمام باللقطة فيدفعها إليها.
قال المؤلف رحمه الله: [فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة، وإن لم يعرف فهو كسائر ماله ولا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه أو مثله إن كان قد هلك، وإن كان حيواناً يحتاج إلى مؤنة أو شيئاً يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه].
ويحفظ الثمن لصاحبه.
قال: [ثم يعرفه؛ لما روى زيد بن خالد عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق؟ فقال: اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه)].
فإن لم يأت فتكون له بعد السنة.
قال: [(وسأله عن الشاة؟ فقال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها].
لأنه مؤتمن فإذا تلفت وهو لم يتعد ولم يفرط فلا يضمنها، فإن كان متعدياً أو مفرطاً فيضمنها.