[كيفية غسل نجاسة الكلب والخنزير]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب].
لما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، إحداهن بالتراب) وفي لفظ: (أولاهن بالتراب) وفي لفظ: (وعفروه الثامنة بالتراب) وتسمى ثامنة لأنها زائدة على الماء، والأقرب أن تكون الأولى بالتراب حتى يزيلها ما بعدها, وهذه الغسلات خاصة بنجاسة الكلب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، أولاهن بالتراب) وذكر بعض الأطباء أن لعاب الكلب فيه خاصية لا يزيلها إلا التراب، وهذا من محاسن الإسلام، ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن علامات النبوة، حيث اكتشف الأطباء أن الكلب فيه هذه المادة السمية التي لا يزيلها إلا التراب، أما الخنزير فالعلماء قاسوه على الكلب، وذهبوا إلى أن الخنزير حكمه حكم الكلب، والصواب أن الخنزير لا يقاس على الكلب، وأن هذا خاص بالكلب, والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح الناس ما قال: إذا ولغ الخنزير في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، فيكون هذا خاصاً بالكلب، وإلحاق الخنزير بالكلب إنما هو من باب القياس، والدليل إنما هو خاص بالكلب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتغسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إحداهن بالتراب ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية].
ذهب المؤلف أن بقية النجاسات تغسل ثلاث مرات، والقول الثاني: إذا أنقت النجاسة غسلة واحدة كفى، والقول الثالث: أن النجاسة تغسل سبع مرات، واستدلوا بحديث: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) لكنه حديث ضعيف عند أهل العلم، والصواب أنه لا يتحدد لا ثلاث ولا سبع، وإنما هذا يرجع إلى غلبة الظن إذا غلب على ظنه أنها زالت النجاسة فيكفي سواء مرة أو مرتين أو ثلاثاً، والمؤلف رحمه الله مشى على أن نجاسة الكلب تغسل سبعاً إحداهن بالتراب، وسائر النجاسة تغسل ثلاثاً، وقيل: سبعاً، والصواب أنه لا يتحدد عدد، وإنما هذا يرجع إلى غلبة الظن، فإذا طهر المحل انتهى مثل الاستنجاء, إذا استنجى الإنسان لا يوجد عدد بالتحديد، المهم غلبة الظن، أن يغلب على ظنك أنك أنقيت وطهرت المحل وكفى؛ لأن الرسول نص على هذا، فلا بد منه.
وأما الصابون فإنه لا يزيله، هذا هو الظاهر، وقد يقال: عند العدم إذا لم يجد تراباً يقوم مقامه.
مسألة: هل تصح الصلاة في الثوب المغصوب؟
الجواب
الصلاة في الثوب المغصوب الصواب أنها تصح مع الإثم، وفيه خلاف: الثوب المغصوب والماء المغصوب وقد مر بنا هذا في درس صحيح البخاري، وذكرنا القاعدة في هذا، أنه إذا صلى في ثوب مغصوب أو صلى في ثوب حرير أو توضأ بماء مغصوب أو صلى في أرض مغصوبة فبعض العلماء -وهو المذهب- رأوا عدم صحة الصلاة إذا صلى في ثوب حرير، أو ثوب مغصوب، أو في أرض مغصوبة.
والقول الثاني: أنها تصح مع الإثم؛ لأن القاعدة: أنه إذا كان النهي يرجع إلى ذات المنهي فهذا يدل على الفساد, وإذا كان النهي خارجاً فلا يدل على الفساد، فمثلاً: إذا صلى في ثوب نجس ما صحت الصلاة؛ لأن النهي يرجع إلى ذات المنهي؛ ولأن المصلي مطلوب منه طهارة البقعة والثوب والبدن, فإذا صلى في ثوب نجس أو في أرض نجسة ما صحت الصلاة؛ لأنه لو لبس الثوب في غير الصلاة لما منع من ذلك، فهذا منهي عنه خصوصاً في الصلاة، أما الثوب الحرير فهذا منهي عنه في الصلاة وخارج الصلاة، فلا يجوز لبس الحرير لا في الصلاة ولا خارجها، والغصب لا يجوز لا في الصلاة ولا داخلها، فله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب، فاجتمع في الصلاة موجب الثواب والعقاب فنقول: صلاته صحيحة وله ثواب الصلاة وعليه إثم الغصب، فصاحب الثوب المغصوب صلاته صحيحه وعليه إثم الغصب، كالماء الذي توضأ به غصباً، وإذا صلى في ثوب حرير فله ثواب الصلاة وعليه إثم لبس الحرير، وهكذا، هذا على الصحيح والصواب وإلا المسألة فيها خلاف.
قال صاحب الحاشية لما ذكر: (ويجزئ في سائر النجاسات ثلاث منقية) قال: هذه رواية عن الإمام أحمد رضي الله عنه، واختارها الشيخ تقي الدين، والمذهب أنه لا بد من الغسل سبع مرات في النجاسة التي على غير الأرض, والصحيح أنه يكفي بعد زوال عين النجاسة مكاثرتها بالماء سواء كانت على الأرض أم غيرها، فهذه ثلاث روايات في غسل النجاسة التي هي غير نجاسة الكلب والخنزير، وأدلتها في الشرح الكبير، واختار العلامة ابن بدران القول الثالث فقال: واختار في المغني أن المعتبر زوال العين وبه أقول بالدليل.
وهذا هو الصواب أن العبرة بزوال العين، فإذا أزال العين وكاثر بالماء وغلب على ظنه أنها طهرت فيكفي, لكن إذا كانت النجاسة لها جرم كالعذرة وقطع الدم فلا بد أن تنقل العذرة وتنقل قطع الدم ثم يغسل محلها, ولا يحتاج إلى عدد، فالعبرة في غلبة الظن ونقاء المحل, فإذا أنقى المحل وزالت العين كفى.
أما القول بأنها ثلاث أو سبع فهذه أقوال في المذهب, والرواية في المذهب أنه لا بد من سبع مرات؛ لحديث: (أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً) لكنه حديث ضعيف، والقول الثاني: أنها ثلاث, والقول الثالث: أنها تكاثر بالماء بعد نقل عين النجاسة وجرمها، أما إذا كانت على الأرض فيكفيها صبة واحدة وغسلة واحدة فتذهب بها النجاسة بعد نقل عين النجاسة إذا كانت عذرة أو قطع الدم، ثم يصب الماء على الأرض ويكاثر، ولا يحتاج إلى حفر الأرض، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بول الأعرابي الذي بال في المسجد دلواً من ماء.
وأما بقاء أثر الدم إذا عجز عنه فلا يضره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته عن دم الحيض فقال: (يكفيك الماء ولا يضرك أثره) وهذا إذا عجز.