للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع البيوع التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: (ونهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الملامسة وعن المنابذة وعن بيع الحصاة)].

هذه الأنواع من البيع نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عن الملامسة، وهو أن يقول مثلاً: أي ثوب لمسته فهو عليك بمائة، وهو في الدكان؛ لما فيه من الغرر؛ لأنه قد يلمس ثوباً يساوي مائة ريال، وقد يلمس ثوباً لا يساوي إلا عشرة ريالات، فلا يجوز حتى يحدد، فهذه يقال لها: الملامسة، والمنابذة يقول: أي ثوب نبذته إلي أو نبذته إليك فهو عليك بمائة، نبذته أي: طرحته، فهذا فيه غرر؛ لأنه قد يطرح ثوباً يساوي مائة، وقد يطرح ثوباً يساوي ألفاً، وقد يطرح ثوباً يساوي عشرة ريالات فلا يجوز، أو يرمي حصاة ويقول: أي ثوب أصابته الحصاة فهو لك بمائة، فهذا لا يجوز لما فيه من الغرر؛ لأنه قد تصيب الحصاة ثوباً يساوي مائة، وقد تصيب ثوباً يساوي عشرة ريالات.

ومن صور الحصاة أن يرمي بحصاة في أرض ويقول: بعتك ما تنتهي إليه هذه الحصاة، ثم يرمي بها من الأرض فهذا لا يجوز لما فيه من الغرر؛ لأن الحصاة قد تنتهي عند مسافة مائة متر، وقد تكون على مسافة مائتين، وقد تكون أقل، ففيه غرر فلابد أن يكون المبيع معلوماً، فبيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع الحصاة كلها بيوع منهية لما فيها من الغرر والجهالة والخطأ.

قال: [وعن بيع الرجل على بيع أخيه].

بيع الرجل على بيع أخيه منهي عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبع أحدكم على بيع بعض)، لما فيه من إيغار الصدور وإيجاد الشحناء والعداوة، كأن يشتري رجل سلعة مثلاً بمائة ريال، فيكون له الخيار ثلاثة أيام فيأتي إنسان إلى المشتري ويقول: أنت اشتريت هذه السلعة بمائة ريال، رد هذه السلعة وأنا أعطيك أحسن منها بثمانين ريالاً، فهذا باع على بيع أخيه، ومثله الشراء على شراء أخيه، كأن يأتي إلى البائع ويقول: بعت هذه السلعة بمائة! ردها عليه، ولك الخيار الآن وأنا أشتريها بمائة وعشرين، فلا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه، ولا يجوز الشراء على شراء أخيه؛ لأن هذا يسبب العداوة والبغضاء والشحناء، والإسلام أراد من المسلمين أن يكونوا إخوة متحابين متآلفين، وألا يكون بينهم شحناء ولا عداوة.

قال: [وعن بيع حاضر لباد، وهو أن يكون له سمساراً].

بيع الحاضر للباد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبع حاضر لباد)، وهو أن يكون له سمساراً، هذا تفسير ابن عباس لما سئل: ما بيع حاضرٍ لباد؟ قال: أن يكون له سمساراً، والسمسار هو الدلال، والمراد بالحاضر: أن يقدم رجل إلى البلد معه سلعة يريد بيعها بثمن الحال، فيأتي إنسان من أهل البلد ويقول: أعطني السلعة أنا أبيعها لك فهذا لا يجوز؛ لأن البادي هذا الذي قدم على البلد يريد أن يبيعها بسعر يومها ويبيعها رخيصة، فإذا جاء إنسان من أهل البلد وقال: أعطني أنا أبيعها، شدد على الناس وأبقاها عنده واستوفى ثمنها، ولا يبيعها إلا بغلاء فنهي عن ذلك، فلا يجوز للإنسان أن يأتي إلى من قدم البلد ويقول: أعطني السلعة أبيعها لك، قال: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)، فهذا الذي جاء من البلد يريد أن يبيع هذه السلعة بسعر يومها أو في الحال، ويرخص على الناس ويمشي، أما إذا جاء أحد من البلد وقال: أعطني إياها فإنه قد يشدد على الناس، وأصل البادي: الرجل من البادية يأتي إلى البلد ثم يبيع السلعة من سمن أو أقط أو غنم، فإذا وصل إلى البلد قال له: أعطني الغنم أنا أبيعها لك، ويريد البادي أن يبيعها مثلاً بثلاثمائة، فيأتي صاحب البلد ويقول: لا تبعها قيمتها خمسمائة ويشدد على الناس، فنهي عن ذلك، ثم أطلق على كل من ورد البلد -سواءً من البادية أو من غير البادية ومعه سلعة يريد أن يبيعها في يومها ويرجع- بادياً، والحاضر هو: الرجل من أهل البلد الذي يأخذ السلعة منه ويبيعها على التراخي، كونه يستوفي ثمنها ويشدد على الناس، فلا يكون له ذلك، بل يتركه يبيعها ويذهب، حتى لا يشدد على الناس.

وكل سلعة ورد بها إلى البلد شخص من خارج البلاد لا يعرف السلعة ولا يعرف قيمتها فإنه لا يجوز لواحد من أهل البلد أن يكون له سمساراً، بل يتركه يبيعها على الناس برخصها.

قال: [وعن النجش؛ وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها].

والنجش بإسكان الشين إثارة الشيء من مكانه، والمراد به: الزيادة في السلعة وهو لا يريد شراءها، لكنه يزيد في السلعة حتى يضر المشتري أو حتى ينفع البائع أو الأمرين جميعاً، وهذا حرام لا يجوز، فلا يزيد في ثمن السلعة إلا وهو يريد شراءها، وأصل النجش: إثارة الشيء من مكانه، فالناجش يثير السلعة ويرفع قيمتها ليضر المشتري أو ينفع البائع والذي عليه العلماء أن النجش خاص بالسلعة وهو حرام.

قال المؤلف رحمه الله: [وعن بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة].

نهى عن بيعتين في بيعة وفسرها المؤلف بأن تقول: بعتك هذه السلعة بعشرة صحاح أو بعشرين مكسرة، بعتك هذه الشاة بعشرة دراهم أو بعشر جنيهات صحاح أو مكسرة، يعني: تبيعه السلعة بعشرة جنيهات مضروبة أو بعشر قطع من الذهب غير مضروبة؛ لأن المضروب ثمنه غير الجنيه؛ لأن هذا مصفى وخالص، وقطعة الذهب هذه فيها تراب وشوائب، فإذا قال: بعتك هذه الشاة بعشرة جنيهات مضروبة أو عشر قطع من الذهب مكسرة فهذا بيعتين في بيعة؛ لأنه لم يختر أحدهما فلا يجوز، فلابد أن يقول: بعشرة جنيهات صحيحة أو يقول: بعشرين مكسرة، أما أن يجعل شيئين ويخيره بينهما ولا يختار أحدهما، فهذا بيعتان في بيعة ولا يجوز؛ لأن النبي: (نهى عن بيعتين في بيعة)، هذا ما ذهب إليه المصنف، وفسر البيعتين في بيعة بتفسير آخر وهو أن يقول: لا أبيعك هذه السيارة حتى تبيعني هذا البيت، فيربط هذا بهذا، وهذا بيعتان في بيعة، ولا يجوز أن يربط هذا بهذا، بل يكون هذا بيع وهذا بيع.

وفسرت أيضاً ببيع العينة، وهو أن يبيع هذه السيارة بمائة ألف مؤجلة إلى رمضان، ثم يشتريها منه بثمانين حاضرة، هذا بيعتان في بيعة بتفسير العينة.

قال: [وعن بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح، أو عشرين مكسرة أو يقول: بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا].

وفسرها أيضاً ببيع العينة: وهو أن يبيع سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بنقد أقل منه.

قال: [وقال: لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق].

أي: لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق، هذا النهي عن تلقي الركبان، وهو أن يخرج جماعة أو واحد من البلد يتلقون من يجلب السلع ثم يشترونها منه برخص، وهذا فيه غبن له، وقد جاء في الحديث: (فإذا هبط إلى السوق فهو بالخيار)، فلو كان مغبوناً فهو بالخيار: إن شاء أمضى السلعة، وإن شاء أمسكها؛ لكن يشترون منه السلعة بأقل -كأن يشتروا منه الشاة مثلاً بثلاثمائة ريال- ثم لما وصل إلى السوق وجدها تباع بخمسمائة، فهو مغبون، فله الخيار في هذه الحالة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الركبان، فمن تلقي فهو بخير نظرين، إما أن يفسخ وإما أن يمضي البيع)، إذا ورد إلى البلد ووجد أنه مغبون فهو بالخيار، فالبيع بيع فاسد، ولكن له الخيار.

فإن قيل: هل الذهاب إلى الرجل في بيته لشراء سلعة يُعَدُّ من المنهي عنه؟

الجواب

لا من بيته هذا واضح، إنما المنهي عنه تلقي الركبان الذين يردون إلى البلد؛ لأن البدو لا يعرفون السلعة، أما الذي يعرف السلعة فليس داخلاً في هذا.

قال: [وقال: (من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)].

أي: حتى يقبضه، إذا اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه، فإذا كان مكيلاً يقبضه بالمكيل، وإذا كان موزوناً يقبضه بالوزن ولا يبعيه مرة أخرى حتى يقبضه.