[ما يفعله الحاج يوم عرفة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا زالت الشمس يوم عرفة صلى الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين، ثم يروح إلى الموقف، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة].
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وقفت هاهنا وعرفات كلها موقف، فارفعوا عن بطن عرنة) وهو بطن الوادي الذي فيه الآن المسجد، وقد وسع المسجد أخيراً فصار مؤخر المسجد من عرفة ومقدمه ليس من عرفة، ويوجد فاصل في الوسط ولوحات تبين للحجاج، لأن بعض الحجاج قد يجلس في المسجد إلى غروب الشمس، والذي يجلس في مقدم المسجد ولا يدخل عرفة ما صح وقوفه، بل لا بد أن يدخل عرفة بعض الوقت، فإذا دخل بعض الوقت أدرك الحج، ولكن إذا خرج قبل غروب الشمس فعليه دم؛ لأنه ترك واجباً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة، ويستحب أن يقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم أو قريباً منه على الجبل قريباً من الصخرات].
الصواب: عند الجبل، أي: يقف عند الصخرات، ويجعل حبل المشاة بين يديه، وحبل المشاة: هو طريق المشاة في الأسفل، ولا يصعد الجبل كما يفعل بعض الجهال، وبعضهم يصلي فيه، وبعضهم يكتب كتابات أو يأخذ شيئاً منه، كل هذا من البدع التي لا أصل لها، والنبي صلى الله عليه وسلم ما وقف على الجبل، وإنما وقف أسفل الجبل خلف الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة إلى الجبل.
فالوقوف يجب أن يكون داخل حدود عرفة، فإذا خرج ورجع ليس عليه شيء، لكن لا بد أن تغرب الشمس وهو في عرفة، فإذا غربت الشمس وهو ليس فيها فعليه دم، وعند الحنابلة يرجع فإذا رجع في الليل سقط عنه الدم، لأنه جمع جزءاً من الليل وجزءاً من النهار.
القول الثاني: لا يكفيه الرجوع في الليل، لا بد أن يبقى، فإن لم يبق فعليه دم.
فالوقوف يبدأ من زوال الشمس إلى غروب الشمس، والمتأخر يستمر في الوقوف إلى طلوع الفجر، فهذا هو المشهور عند جمهور علماء.
وذهب الحنابلة إلى أن الوقوف يبدأ من طلوع الشمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عروة بن مضرس أنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مزدلفة فأدركه في صلاة الفجر وقال: (إني أتعبت راحلتي، والله! ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟!)، كان يبحث عن عرفة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في مزدلفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك صلاتنا هذه -يعني: صلاة الفجر في مزدلفة- وكان قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) استدل الحنابلة بقوله: (ليلاً أو نهاراً)، على أن الوقوف يبدأ من طلوع الشمس إلى طلوع الفجر.
والجمهور يرون أنه يبدأ من زوال الشمس وقالوا: إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بين معنى الحديث، وأن الوقوف لا يبدأ إلا بعد زوال الشمس.
وتظهر فائدة الخلاف بين الحنابلة والجمهور لو جاء إنسان ووقف وقت الضحى في عرفة، ثم خرج منها ولم يرجع فهل له حج أم ليس له حج؟ فعند الحنابلة يعتبر قد أدرك الحج، وعند الجمهور فاته الحج؛ لأنه ما جاء في وقت الوقوف، وهو لا يبدأ إلا بعد الزوال.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويستحب أن يقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم أو قريباً منه عند الجبل قريباً من الصخرات ويجعل حبل المشاة بين يديه ويستقبل القبلة ويكون راكباً].
إن تيسر له أن يكون في موقف النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا استقبل القبلة في أي مكان من أرض عرفة، فيستقبل القبلة، ويكثر من الدعاء، ومن كلمة التوحيد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
ويكثر من الدعاء والابتهال والتضرع إلى الله؛ لأنها عشية عظيمة ينزل فيها الرب سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا ويضاهي بهذا الموقف ملائكته فيقول: (يا ملائكتي! انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق! أشهدكم أني قد غفرت لهم)، فهي عشية عظيمة ينبغي على المسلم أن ينتهزها، فإن تيسر له أن يكون في موقف النبي صلى الله عليه وسلم وإلا استقبل القبلة، وغالباً لا يتيسر الآن؛ لأن حول الجبل زحام شديد يتجمع الجهال من الناس فيصعدون الجبل، ولا يجد الإنسان له مكاناً هناك، فيتجه للقبلة ويستقبلها في أي مكان.
قوله: (راكباً) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكباً على ناقته، وهذا على حسب الحال، إن كان وقوفه على دابة أو على السيارة أحسن له وأعون له على الدعاء، وأبعد من زحام الناس فلا بأس، وإلا وقف جالساً في أي مكان يستقبل القبلة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير].
وهذا سنة، كما جاء في حديث أنس: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
وقال: (خير الدعاء دعاء عرفة).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجتهد في الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل إلى غروب الشمس].
هذا هو السنة، أن يجتهد ويكثر من الدعاء، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وانتهازاً للوقت الشريف الفاضل.